نقطة نظام… ارتفعت حصيلة الوفيات إلى 25 مغربي ومغربية في الحادثة المفجعة التي وقعت صباح اليوم الأربعاء بالطريق الوطنية رقم 11 الرابطة بين الفقيه بن صالح وخريبكة.
وعودةً إلى الأسباب المباشرة لهذه الحادثة ، فيُرجح أن السرعة وخطورة المنعرج والطريق كانوا وراء انقلاب الحافلة ، ولايزال رجال الدرك الملكي يواصلون أبحاثهم من أجل تحديد جميع ظروف وملابسات هذه الحادثة.
أما فيما يخُص الأسباب غير المُباشرة ، فلابد أن نطرح بعض الأسئلة المُتعلقة بواقع قطاع النقل الطرقي . هل فعلا هذا القطاع أصبح مُؤهلاً لنقل المواطنات والمواطنين في ظروف جيدة وملائمة ؟. هل وضعية الحافلات ، لاسيما الحالة الميكانيكية ، لها القُدرة على نقل الحمولة المسموح بها ،ومابالك تجاوز هذه الحمولة وتكديس الركاب المُجبرين على التنقل؟. هل القطاعات المُتدخلة في تنظيم قطاع النقل تُواكب فعليا وميدانيا هذه الحافلات وتُراقبها ، وتُراقب العاملين بها على مستوى التكوين والتعامل والسياقة في الطرقات.. ؟ وهل المهنيون واعُون بالمهام الجسيمة التي يحملونها على عاتقهم في نقل أرواح بريئة وضعت ثقتها فيهم ؟.ولماذا لايقوم المكتب الشريف للفوسفاط بالمساهمة في توسيع هذا المقطع الطرقي الخطير ؟
سأكون مُختصرا في الإجابة عن هذه الأسئلة ، ولو أن الإجابة الشُّمولية الشَّافية تتطلب فتح نقاش عمومي يشارك فيه خُبراء في هذا المجال ، ومؤسسات وجمعيات ونقابات وأحزاب وغيرهم كلٌّ حسب اختصاصه. فأول ما يُمكن أن أفتح به الإجابات ، هو قطاع النقل الذي يبقى قطاعا غير مهيكل وتعمه الفوضى في جميع مجالاته سواء على مستوى تنظيم المهنة ، او استغلال المأذونيات ، او العلاقة بين صاحب الحافلة ، والمُستغل ، ثم السائق ، وهي العلاقة المَبنية على الربح ولاشيء سوى الربح ، وهذا الربح طبعا لا يُمكن تحقيقه سوى بالمُنافسة الشرسة بين الحافلات ، عبر السُّرعة والحُمولة الزائدة ، والزيادات في الأثمنة والإهمال الميكانيكي أحياناً.
ومن جهة أخرى، فالقطاعات المسؤولة عن النقل لابد لها أن تولي الاهتمام اللازم لهذا القطاع الحساس ، بدءً بمصالح وزارة الداخلية ، ووزارة النقل ، أو المصالح الأمنية ، خصوصا السدود القضائية ، وسدود المراقبة الطُّرقية . هذه السدود وجب أن تُضاعف عملها ومجهوداتها ، وأن تراقب الحالة الميكانيكية للحافلات على مستوى الهيكل ، والمحرك ومكوناته من زيوت ومياه وأسلاك كهربائية ، ثم المكابح ، دون أن أنسى العجلات المُهترئة أحيانا التي تكون سببا في حوادث عديدة. فلابد أيضا لمصالح المراقبة الطًُرقية ان تقوم بفحص يومي وروتيني للحافلات قبل انطلاقها من المحطات الطرقية ،ومراقبتها في الطرقات بين الجماعات وعلى مدى الليل والنهار ، بالإضافة إلى ضرورة مساهمة المكتب الشريف للفوسفاط في توسيع هذا المقطع الطرقي الذي تقع فيه حوادث خطيرة . وكل ذلك لضمان نقل المواطنين في أحسن الأحوال ، للتقليل من أخطار هذه الحوادث قدر المُستطاع.
فلابد للمهنيين أيضا، أن يتحملوا مسؤولياتهم سواء على مستوى السياقة باحترافية ، والاحترافية لا تتمثل في التجاوز “الدوبلاج” الممنوع ، و السياقة والهاتف النقال في اليد والحديث مع الاخرين، أو بالامساك بالسجائر ، أو السياقة بسرعة ، او ارتداء أحذية غير ملائمة ك”البلغة” او “الصندالة” ، وان لايسوق في حالة سكر ، او في حالة تناوله للأدوية . كما يتوجب على الشركة المُشغلة توفير الساعات القانونية للعمل ، وتعيين سائقين للتناوب في المسافات الطويلة.
وفي الختام ، ولتفادي سقوط الأرواح البريئة التي تُزْهَقُ يومياً ، بسبب استهتار ، او طريق مهترئ ، او أي عامل من العوامل . يجب أن تتظافر جهود الجميع مهنيين وإدارة وأمن ومجتمع مدني ، لعقد لقاءات وندوات وفتح نقاشات وحوارات ، للوصول إلى توصيات وحلول واقعية من شأنها الحد ولو نسبيا من هذه الفواجع التي يروح ضحيتها مغاربة أبرياء رجالا ونساءً ، شيوخاً وأطفالاً.هذه الحوادث التي تكلف الدولة خسائر بشرية ومادية.
ولا يسعنا ، أخيراً، سوى الترحم على أرواح ضحايا حوادث السير عموما ، وحادثة خريبكة خصوصا ، وتعازينا الخالصة لأسرهم وذويهم.
إنا لله وإنا إليه راجعون