مراسلة خاصة/تقرير عن اللجنة المنظمة
نسمع كثيرا بحصيلة 100 يوم من عمل الحكومة، ولم نسمع بعد بالاحتفال بمئة يوم بالمدرسة. الاحتفال بمرور 100 يوم بالمدرسة تقليد احتفلت به لأول مرة المدارس بالولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ عدة سنوات أصبحت المدارس بفرنسا وإنجلترا تعطيانه أهمية بالغة، حيث يحتفل التلاميذ رفقة أساتذتهم بحصيلة مرور 100 يوم الأولى بالمدرسة، وذلك بالقيام بأعمال يدوية ومجسمات يعدون فيها 100 كلمة تعرفوا عليها، 100 صورة موضوعاتية أو رسم 100 نجمة في الكون….. ويتم القيام بمعرض لكل الأعمال.
بمدرسة تيموليلت المختلطة التابعة لجماعة تيموليلت بمديرية أزيلال احتفل تلامذة السنة الأولى بمرور مئة يوم بالمدرسة، ومن الطقوس اليومية التي اعتاد التلاميذ القيام بها داخل القسم قراءة تاريخ اليوم وعَد أيام الدراسة منذ بداية الموسم الدراسي. يوم الإثنين 16 يناير 2023 أتم التلاميذ 100 يوم الأولى بالمدرسة.
وقام أستاذ اللغة الفرنسية للمستوى الأول السيد إسماعيل بوهاشم بنسخ التجربة الفرنسية وتطويرها لتواكب مستجدات التربية والتكوين التي تدعو إلى تعبئة مجتمعية مستدامة. حيث ثم القيام بمعرض للأعمال اليدوية التي أنجزها التلاميذ والتي تجسد مرور 100 يوم في المدرسة، ودشن المفتشان التربويان السيد مصطفى فوزي و السيد خالد العلوي المعرض رفقة السيد مدير المؤسسة، وثَمن السادة المفتشين الرؤية التربوية و البيداغوجيا للمشروع. بالإضافة إلى ذلك ثم عقد اجتماع مع آباء وأمهات وأولياء التلاميذ زوال نفس اليوم الاثنين 16 يناير 2023، من أجل تقديم حصيلة 100 يوم من الدراسة وتقييم تشاركي لتلك الفترة، وتم تنزيل البرنامج التالي:
1) استقبال آباء وأمهات وأولياء التلاميذ
2) زيارة معرض الأعمال التي تجسد 100 يوم بالمدرسة والتي قام بها التلاميذ
3) الترحيب بالحضور من طرف الأستاذ صالح الحرويشي
4) كلمة السيد الحنصالي مصطفى رئيس جمعية الآباء وأولياء التلاميذ
5) تقديم حصيلة 100 يوم دراسي من طرف أستاذ إسماعيل بوهاشم
6) تقديم ملخص النتائج المحصلة عليها
7) فتح باب النقاش – إعطاء الكلمة للآباء وأمهات وأولياء التلاميذ لتقييم 100 يوم ( نقط القوة ونقط الضعف)
8) فتح باب الاقتراحات والتوصيات من أجل تجويد العمل خلال الدورة الثانية.
9) اختتام الاشغال.
حضر الاجتماع 23 أم و9 آباء، وكان فرصة لفتح باب النقاش والحوار حول النتائج المحصل عليها خلال الدورة الأولى، و التطرق لنقط القوة التي تم لمسها في عمل الأستاذ خلال 100 يوم الماضية من أجل تعزيزها، وكذا نقط الضعف التي لاحظوها من أجل تجاوزها خلال الدروة الثانية. وكذا تم التطرق لمستوى التلاميذ والتعثرات التي شابت 100 يوم الماضية. وكانت تدخلات الأمهات والآباء تصب في استحسان فكرة اللقاء التواصلي كما تم تسجيل ملاحظات من أجل تحسين العمل خلال الدورة الثانية.
وفي تصريح لأب التلميذ محمد أمين العسري ” أولا أريد أن أتقدم بجزيل الشكر للأستاذ الفاضل إسماعيل بوهاشم على جهوده وطريقة تعامله مع الأطفال من خلال زرع حب التمدرس والتنافسية بين التلاميذ، ثانيا أشكره على هذه المبادرة الاستثنائية فيما يخص مشروع الاحتفال بمئة يوم دراسي”. وفي كلمته، شكر أب التلميذة حفصة مْقَدْمي كل الأطر التربوية وأساتذة مدرسة تيموليلت على مجهوداتهم الجبارة لدعم الأبناء والسير بهم نحو مستقبل زاهر. وفي شهادة لجدة التلميذ زاحة يحيى، صرحت أن حفيدها تغير كثيرا وأصبح له طموح للدراسة، وأنه يستقبل واجباته المدرسية عبر مجموعة الواتساب بكل فرح ويسارع لإنجازها.
اللقاء كان فرصة ليتعرف الآباء والأمهات على الصعوبات التي يواجهها التلاميذ والبحث بشكل تشاركي عن حلول لتجاوزها.
الاحتفال بحصيلة مئة يوم عبر عقد اجتماع مع آباء وأمهات وأولياء التلاميذ فرصة لانفتاح الأستاذ على محيطه وتقاسم مسؤولية جودة التعليم مع الأسرة. هذا الانفتاح هو تنزيل للتدبير العمومي التشاركي. فبعد أُفُولِ التدبير البيروقراطي وتراجع التدبير العمومي الجديد ( Nouveau Management Public) أصبح التدبير العمومي التشاركي الفيصل من أجل بناء الثقة بين المواطنين و المدرسة العمومية. الثقة في الإدارة العمومية أصبحت العملة النادرة التي يبحث عنها كل مسؤولي القطاع العام ليس في المغرب فقط بل في الدول المتقدمة أيضا، منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) قامت بدراسة سنة 2021 عمت 22 دولة من الدول الأعضاء 41,1 % من المستجوبين لا يضعون ثقتهم في الإدارة العمومية و 41,4 % صرحوا بثقتهم اتجاه الإدارة العمومية. بناء الثقة مع المواطنين تستوجب إشراكهم، وهذا لن يتأتى مادام الموظف العمومي حبيس جدران مكتبه، ويعتبر نفسه المسؤول الأول والأخير عن المرفق العمومي.
حيث ان تبني التدبير العمومي التشاركي (Management Public Collaboratif ) سيجعل من المدرسة المغربية تعيد زرع الثقة وتقاسم المسؤولية مع الأسر وجميع المتدخلين. قد يعتقد البعض أن التدبير العمومي التشاركي هو عقد شراكات. ولكن التدبير العمومي التشاركي يتجاوز مفهوم الشراكة، حسب لورا كارموز التدبير العمومي التشاركي (Management Public Collaboratif ) تتقاطع فيه كل مدارس وتيارات التي تهدف إلى إصلاح وتحديث الإدارة العمومية ومن بينها التدبير بالقيم العمومية (la gestion de la valeur publique)، الحكامة التشاركية (la gouvernance collaborative) الحكامة عبر التشبيك (gouvernance en réseaux) … يعرف كريس أنسل و أليزون كاش التدبير العمومي التشاركي أنه تدبير ينبني على الحكامة، وتقوم فيه مؤسسة عمومية واحدة أو أكثر بإشراك كل أصحاب المصالح (les parties prenantes) في اتخاذ القرار بشكل جماعي وتشاركي في تطوير أو تنفيذ السياسات العمومية أو إدارة البرامج أو الإجراءات العمومية. على ضوء هذا التعريف فالتدبير العمومي التشاركي يَعْتَبر المُرتفق مواطنا شريكا وصاحب مصلحة (partie prenante) في تنفيذ السياسات العمومية.
فالتدبير العمومي التشاركي يتقاطع مع الرؤية المولوية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. حيث دعا صاحب الجلالة نصره الله منذ توليه عرش أسلافه الميامين إلى “المفهوم الجديد للسلطة”. وهو أسلوب الجديد في التدبير العمومي، يهدف إلى توسيع دائرة المشاركة وتقاسم المسؤولية في تدبير الشأن العام. يعتقد البعض أن المفهوم الجديد للسلطة مرتبط فقط بمسؤولي الإدارة الترابية. سيعود جلالة الملك نصره الله في خطابه بمناسبة الذكرى 17 لعيد العرش المجيد ليوضح المفهوم الجديد للسلطة بقوله “ومفهومنا للسلطة هو مذهب في الحكم، لا يقتصر، كما يعتقد البعض، على الولاة والعمال والإدارة الترابية. وإنما يهم كل من له سلطة، سواء كان منتخبا، أو يمارس مسؤولية عمومية، كيفما كان نوعها”. ويضيف جلالة الملك نصره الله ” إن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات، هو خدمة المواطن. وبدون قيامها بهذه المهمة، فإنها تبقى عديمة الجدوى، بل لا مبرر لوجودها أصلا.” (خطاب جلالة الملك بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة).
من هذا المنطلق كيف يمكن للمدرسة أن تقوم بأدوارها؟ كيف يمكن تنزيل التدبير العمومي التشاركي في عمق المدرسة المغربية؟ يجب أن يتحلى كل المسؤولين في القطاع بثقافة المقاربة التشاركية، يجب أن يستوعب الأستاذ في قسمه، والمدير في إدارته، ورؤساء المصالح في المديريات وكل المسؤولين الذين يسهرون على القطاع بإيجابيات التدبير العمومي التشاركي.
اذن، الاحتفال بمئة يوم بالمدرسة والقيام بلقاء تواصلي مع أباء وأمهات وأولياء التلاميذ بحضور جمعيات المجتمع المدني تنزيل للتدبير العمومي التشاركي، لأنه يفتح قناة التواصل ويشرك الأسر في اتخاذ القرارات التي تهم أبناءهم، ويحملهم مسؤولية تجويد تَعَلمات أبنائهم. عبارة جميلة لأسبوغن وػالبير “القيادة خير من التجديف” (Diriger plutôt que ramer)، لا يجب على الأستاذ أو أي مسؤول في قطاع التربية الوطنية القيام بالتجديف لوحده لأنه يكرس التدبير العمومي التقليدي، حان الأوان لكي نتشرب بالمقاربة التشاركية وننفض الغبار عن الرؤية الأحادية التي تتسم بها المدرسة المغربية.
وخطا وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة الخطوة الأولى عبر صياغة خارطة الطريق بتدبير تشاركي، فلا سبيلَ إلا بِتَبني التدبير العمومي التشاركي على مستوى الأكاديميات والمديريات الإقليمية ثم في المدرسة والقسم أيضا. ويبقى الاحتفال بحصيلة مئة يوم دراسي مع آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بمدرسة تيموليلت المختلطة تجربة للتدبير العمومي التشاركي الذي يجب تعميمه في كل المدراس المغربية، وأن يمثل وقفة من أجل تقييم تشاركي تنفتح فيه المؤسسة على محيطها.