طارق برغاني
احتضن مدرج الندوات بالكلية متعددة التخصصات بخريبكة، يومي الثلاثاء و الأربعاء 23 و24 أبريل 2024 ندوة وطنية في موضوع “الأسرة والمجتمع في المغرب، سؤال القيم والمتغيرات”، هذه الفعالية العلمية المنظمة من قبل الكلية متعددة التخصصات بخريبكة و مختبر السرد والأشكال الثقافية الأدب، اللغة والمجتمع التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال، تأتي في إطار انفتاح الجامعة المغربية على محيطها السوسيوثقافي ومواكبتها للتغيرات التي يعرفها المجتمع محليا ودوليا وكذا مجاراة الأحداث والتطورات التشريعية والثقافية في علاقتها بمنظومة القيم السائدة.
الجلسة الأولى التي سيرها الأستاذ الدكتور عبد الرحمن غانمي مدير مختبر السرد والأشكال الثقافية الأدب، اللغة والمجتمع ومنسق ماستر السرد والثقافة بالمغرب بجامعة السلطان مولاي سليمان، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال، تضمنت كلمات افتتاحية وأربع مداخلات علمية.
وبعد افتتاح الجلسة بآيات بينات من الذكر الحكيم تقدم مسير الجلسة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن غانمي بكلمة افتتاحية شكر من خلالها الأساتذة المشاركين في الندوة و المدعوين المنتمين للكلية من خارجها وكل الطلبة والطالبات المنتمين لمختبر السرد والأشكال الثقافية من مدينتي خريبكة وبني ملال، كما رحب أيضا بالفنانة التشكيلية ماريا صوفي، ثم تحدث عن أن هذه الندوة جاءت في سياق وطني يتناول موضوع الأسرة وهو موضوع يتجاوز الراهنية يتعلق بالإنسان وبالمتغيرات المجتمعية، موضوع من صميم المجتمع وأن اختيار هذا الموضوع كان موفقا، باعتبار كون هذه الندوة تأتي في سياق أنشطة مختبر السرد والأشكال الثقافية الأدب واللغة والمجتمع وأنه سبق للمختبر تناول هذا الموضوع في مناسبات سابقة بمدينتي تادلة ومراكش، فالمختبر يضم عدة تخصصات وهذا الموضوع هو من صميم اهتمام المختبر، مضيفا إلى أنه قد تمت كتابة الكثير في مجال القيم فكل شعب وكل مجتمع له قيمه الخاصة وأن المغرب له مجموعة من القيم والثوابت التي تميزه عن غيره مثل ما عكسه أداء المنتخب المغربي في كأس العالم وما أوصله من ثقافة وقيم ورسائل، وأيضا قضية الصحراء المغربية التي أثارها المنتخب من خلال خريطة المغرب في مباراته ضد الجزائر، كما أشاد الدكتور عبد الرحمن غانمي بمنسق الندوة الأستاذ الدكتور عبد الرزاق وبجميع الأساتذة في المختبر والمتعاونين معه، كما أكد على أهمية مثل هذه الندوات بالنسبة للطلبة والباحثين والمهتمين ثم تقدم بالشكر لجميع من ساهم في إنجاح هذه الفعالية.
ومن جانبه، تقدم الأستاذ الدكتور نور الدين بركة نائب عميد الكلية متعددة التخصصات بخريبكة ، بكلمة نيابة عن عميد الكلية تحدث من خلالها عن كون هذا الموضوع هو نابع من توصية صاحب الجلالة الملك محمد السادس تفاعلا مع التوجيهات الملكية السامية سواء منها الواردة في خطاب العرش 30 يوليوز 2022 الداعية إلى تعديل مدونة الأسرة، وما تلاها من رسالة ملكية موجهة إلى رئيس الحكومة بشأن تشكيل لجنة تتولى إعداد مقترحات التعديل المذكور بتنسيق مع مختلف المتدخلين والفاعلين نظرا لما يعرفه المجتمع من تقلبات تستدعي رصد المشكلات من طرف الباحثين والمهتمين والمسؤولين والتنمية المحلية والتنمية المجالية فهو نشاط غير مسبوق بالكلية في أفق فتح مسلك خاص بالدراسات القانونية بالكلية، كما شكر اللجنة التنظيمية وكل الساهرين على إنجاح هذه الندوة.
وبدوره أكد الاستاذ الدكتور عبد الرزاق خالدي المنسق العام للندوة ورئيس اللجنة التنظيمية، من خلال مداخلته على أهمية الموضوع فهو موضوع يتعلق بمخاطر اجتماعية وسياسية وقانونية وأن السياق الذي ظهرت فيه مدونة الأسرة الجديدة مرتبط بالمؤشرات حول التضخم والعزوف عن الزواج، كما دعا الجامعة بقوة إلى ممارسة دورها الحضاري والعلمي في ضمان الأمن المجتمعي والتوعية الأسرية في ظل المخاطر الحضارية التي تهددها، مشيرا إلى أن جلالة الملك قد حسم الموقف بخصوص قضايا الأسرة في خطاب سنة 2022 حينما قال: ” لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية… من هنا، نحرص أن يتم ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية”، كما أشار الدكتور عبد الرزاق إلى مراعاة خصوصيات المجتمع المغربي وإشراك أطراف المجتمع المدني وفق توصيات جلالة الملك.
وتقدم الأستاذ الدكتور خالد الروكاني عن الكلية متعددة التخصصات بخريبكة بمداخلة موسومة: ” دور الأسرة المغربية بين مطرقة تحولات منظومة القيم وسندان المتغيرات الاقتصادية” استهل مداخلته بتقديم تعريف للأسرة وأنواعها وتطورها عبر التاريخ موازاة مع التطور البشري، ثم تعريف مفهوم القيم في ارتباطه بالأسرة والمجتمع كون القيم هي من يصنع وحدة المجتمع، ثم تعريف مفهوم الاقتصاد والتمييز بينه وبين علم الاقتصاد والنظام الاقتصادي والمذهب الاقتصادي، انتقل بعد ذلك إلى الحديث عن أهمية ودور مؤسسة الأسرة باعتبارها الخلية الأولى في بناء المجتمعات مستشهدا بنصوص شرعية من القرآن الكريم والحديث النبوي، تحدث بعد ذلك عن الدورة الاقتصادية على اعتبار أن الأسرة أحد أهم روافد هذه الدورة، ثم أشار إلى مجموعة من المشاكل التي تعيشها الأسرة في العالم الثالث، كما تحدث الدكتور خالد عن وضعية وأرقام الأسرة في المغرب وعن الأسرة في التشريع المغربي الفصل 169 من الدستور والقانون المنظم للمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة 2016، ومدونة الأسرة مع تقديم بعض الأرقام والإحصائيات المرتبطة بالأسرة المغربية من حيث عدد الأسر المغربية في 2020 وحجم الأسرة الذي يسير نحو الانكماش وتغير توزيع أرباب الأسر حسب السن والجنس من 16% إلى 21% وعدد السكان في سن النشاط والأشخاص البالغين 60 سنة ونسبة العزوبة والسن عند أول زواج حسب السن والجنس ونسبة التعدد والطلاق والخصوبة… كما تناول الدكتور خالد مجموعة من التحولات في منظومة القيم في الأسرة المغربية من قبيل التغير في طبيعة الأسرة والتحديات التي تؤرق الأسرة المغربية من قبيل الفردانية والعولمة وانحياز المجتمع إلى ثقافة الغرب، وأن الأسرة تشهد مرحلة انتقال من نمط أول تقليدي إلى نمط ثان حديث مؤشراته عامل الوقت، القدرة التنافسية في العمل، خروج المرأة من البيت إلى العمل، وقيمة الحرية، وفي إشارة إلى التغيرات الاقتصادية التي أثرت في منظومة القيم في ارتباطها بالأسرة المغربية تحدث الدكتور خالد عن البطالة وضعف المدخول والإمكانات المادية للأسرة المغربية إضافة إلى التضخم وخوصصة الخدمات الأساسية وتحسن الدخل الفردي لبعض الأسر مما أدى إلى الانفتاح على عادات تضر بالأسرة، وفي ختام كلمته تقدم الدكتور خالد بمجموعة من الاقتراحات والتوصيات الكفيلة بحفظ منظومة القيم داخل الأسرة المغربية.
وتمحورت مداخلة الأستاذ الدكتور عادل قيبال عن كلية العلوم القانونية والسياسية جامعة الحسن الأول سطات، في موضوع ـ” القيم والاجتهاد الفرضي” حول محاور رئيسة تهم مفاهيم القيم والاجتهاد والاجتهاد الفرضي، انطلق من مجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في مقاربة مسألة القيم مشيرا إلى أن قيمة الجمال والحق والخير هي القيم الكبرى الثلاث، وأن مقابل القيم باللغة الفرنسية حسب المعاجم نجد مقابلين هما Ethiques و Valeurs وأن تعريف القيمة في المعاجم العربية وفي التنزيل الحكيم كما ورد فيه: ” قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ”، الأنعام: 161، وفي قراءة أخرى وردت في الآية: ” دِينًا قَيِّمًا” بتشديد وكسر الميم، ثم انتقل إلى تعريف القيم في الاصطلاح مشيرا إلى أن هناك تعاريف متضاربة بين الفلاسفة في تعريف مفهوم القيم لتنوع المدارس والمذاهب والرؤى والتصورات، وأن من بين مصادر القيم هناك العقل والعادات والدين، وأن خصائصها ربانية منها الشمول والتكامل والوسطية والضبط وكونها تنقسم إلى ضرورية وحاجية وتحسينية، وأيضا إلى مباحة ومكروهة ومستحبة ومحرمة، وفي معرض حديثه عن الاجتهاد تطرق الدكتور قيبال إلى أن الاجتهاد هو مبحث ضمن مباحث أصول الفقه وأركانه ثلاثة هي الاجتهاد والمجتهد والمُجتَهَد فيه وإذا ما اختل ركن من هذه الأركان اختل الاجتهاد ككل، وأن الاجتهاد لا يكون في الأمور القطعية وفي الضروريات وإنما يكون في الظنيات مع تقديم تعريف لغوي واصطلاحي للاجتهاد، ثم عرج الدكتور قيبال على الحديث عن المجتهد وعن شروطه وأيضا عن المُجتَهَد فيه مستشهدا بمجموعة من المسائل الفقهية المجتهد فيها، وفي ختام كلمته تقدم الدكتور قيبال بمجموعة من المقترحات لتعديل مدونة الأسرة ترتبط بمسألة الوصية مَثَّلها بحالة زواج المسلم بالكتابية، ومسألة توريث ذوي الأرحام ومثاله اقتراح ترتيب بيت المال في الرتبة السابعة عشر.
أما الأستاذ الدكتور محمد نعناني عن كلية العلوم القانونية والسياسية جامعة الحسن الأول سطات، فقد استهل مداخلته الموسومة بـ “منظومة القيم في قوانين الأسرة المغربية بين الثبات والتغيير” بالحديث عن التجلي القيمي في قوانين الأسرة المغربية وأن هذه القوانين المنظمة للأسرة المغربية تتعدد وتتنوع نظرا لمجموعة من الاعتبارات التاريخية وأيضا من جهة الفئات المعنية، تناول الدكتور محمد خلال مداخلته ثلاثة قوانين منظمة للأسرة المغربية أولها مدونة الأحوال الشخصية، متتبعا المفاهيم القيمية في كل من هذه القوانين كقيمة العفة في تعريف الزواج وفي أحكام التطليق للعيب وأيضا قيمة التماسك الأسري وقيم العدل والاحترام والاستقامة، ثم انتقل إلى الحديث عن مدونة الأسرة وتتبع فيها قيمة العفة التي ظهرت في تعريف الزواج وفي أحكام التطليق وأيضا قيمة التماسك الأسري المتجلية في أحكام البنوة والحضانة والنفقة، فضلا عن وجود قيم أخرى كثيرة جدا في مدونة الأسرة مقارنة بمدونة الأحوال الشخصية، ثم انتقل بعد ذلك إلى الحديث عن قانون الأحوال الشخصية العبري والذي تضمن قيما كثيرة مستمدة من المشناه من بينها مجموعة من الأحكام التلمودية المتستقاة من التوراة كإلزام الأخ بالزواج من أرملة أخيه والتي تشير إلى قيمة التماسك الأسري، فضلا عن التفصيل في أحكام الطلاق وقضية خروج الزوجة من ولاية زوجها، وأيضا قيمة العفة المرتبطة بالخيانة الزوجية والتي تثبُت وفق نفس القانون بشاهد واحد وإن كان الزوج نفسه، مع تقديم تفصيل في أحكام مرتبطة بالجماع والتعدد وفق القانون نفسه.
ومن جانبه، الاستاذ الدكتور محمد الإدريسي عن مختبر الدراسات السياسية والحكامة الترابية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمدية جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، انطلق في مداخلته الموسومة بـ “الثوابت المرجعية والقيمية في مواجهة التحديات الثقافية” من الواقع وحاول تجاوز الجانب النظري ، و تحدث الدكتور محمد عن المجتمع المغربي الذي تحضر فيه الرمزية الدينية بكثرة مستشهدا بمثال شهر رمضان أثناء صلاة التراويح حيث تجد المساجد مليئة بالمصلين ومباشرة بعد انقضاء رمضان تجدها شبه فارغة، مؤكدا على أن هناك مشاكل حقيقية في فهم الدين وفي فهم القرآن، فحضور الدين في حياتنا غائب تقريبا و قد انعكس ذلك على حياتنا الأسرية، فمثلا صار الطلاق مسألة بسيطة جدا وهذا إن دل فإنما يدل على أن الرجل انسحب من مسؤولياته وازدادت بالمقابل الضغوط على كاهل المرأة، فنحن نعيش صراعا حضاريا عنيفا وصرنا نرى مرجعيات واتجاهات مختلفة في الأسرة الواحدة مما أدى إلى تفككها وهنا يكمن الدور الحقيقي للجامعة في التحسيس والتوعية.