إسلام ويب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن القناعة رتبة علية ومنزلة جليلة وهي مع الإيمان عنوان الفلاح وسبيل النجاة، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه. رواه مسلم.
والقناعة هي الغنى الحقيقي وصاحبها أغنى الناس وإن كان حافي القدمين في الحديث: ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس. رواه البخاري. قال ابن حجر: ليس حقيقة الغنى كثرة المال لأن كثيرا ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي، فهو يجتهد في الازدياد ولا يبالي من أين يأتيه، فكأنه فقير لشرهه وحرصه، وإنما حقيقة الغنى غنى النفس وهو من استغنى بما أوتي وقنع به ورضي ولم يحرص على الازدياد ولا ألح في الطلب فكأنه غني. انتهى. والقناعة كلمة ظلمها كثير من الناس فظنوا أنها تعني الرضا بالدون وحياة الهون، وضعف الهمة عن معالي الأمور وإماتة الرغبة في الطموح، وهذه ليست القناعة المطلوبة شرعا، إنما القناعة تهذيب للطمع ومنع للجشع وهي كذلك رضا الإنسان بما وهبه الله وقسم له مما لا يستطيع تغييره، فلا يظل يعيش في الأماني فإن الأماني رأس مال المفالسين. وهذه القناعة يمكن اكتسابها بأمور منها:
1- الرضا بقضاء الله وقدره والتسليم لأمره واليقين بأنه المعطي المانع، وأن تدبيره للإنسان أفضل من تدبير الإنسان لنفسه.
2- التدرب على اكتساب هذا الخلق ولو بتكلفه وتصنعه في البداية حتى يصير سجية وصفة أصلية في الشخص، وفي الحديث: من يستعفف يعفه الله. رواه البخاري.
3- أن يعلم أن القناعة مصدرعظيم للقوة، والإنسان يحب أن يكون قويا، ولا يكون قويا إلا إذا كان قنوعا، ولا يذل الإنسان مثل الطمع. ورحم الله الشافعي القائل: أنا إن عشت لست أعدم قوتا === وإذا مت لست أعدم قبرا همتي همة الملوك ونفسي === نفس حر ترى المذلة كفرا وإذا ما قنعت بالقوت عمري === فلما ذا أخاف زيدا وعمرا .
4- أن يعلم أن ما كان عاجزا عنه شرعا وقدرا فطلبه وتمنيه مما نهى الله تعالى عنه بقوله: ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض [النساء:32].