بعد المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة… هل تُصلح الأحزاب السياسية ما أفسدته الاختيارات الشعبوية؟

هيئة التحرير25 ديسمبر 2024
بعد المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة… هل تُصلح الأحزاب السياسية ما أفسدته الاختيارات الشعبوية؟
محسن خيير

 

 

حققت المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة التي انعقدت بطنجة يومي 20و 21 دجنبر نجاحًا لافتًا، حيث شكلت محطة أساسية لتقييم التقدم المحرز في هذا الورش الوطني الكبير، وتحديد الأولويات المستقبلية التي تسعى إلى تحقيق تنمية مستدامة وعدالة مجالية.

وقد أسفرت أشغال المناظرة عن توصيات مهمة تهدف إلى تعزيز دور الجماعات الترابية في قيادة التنمية المحلية، إلا أن تفعيل هذه التوصيات يظل مرهونًا بقدرة الأحزاب السياسية على اختيار مرشحين أكفاء لإدارة هذه الجماعات.

و تشكل الجهوية المتقدمة خطوة استراتيجية لإعادة توزيع الأدوار بين المركز والجهات، بما يتيح لهذه الأخيرة صلاحيات أوسع في التخطيط والتنفيذ. لكن تحقيق أهداف هذا المشروع الطموح يتطلب تجاوز مرحلة التنظير نحو الأجرأة والتفعيل الميداني. وهنا، تظهر أهمية توفير الكفاءات المؤهلة لتدبير الشأن المحلي وفق مقاربة تستحضر الحوكمة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.

كما لا يمكن الحديث عن نجاح الجماعات الترابية في تنزيل مضامين الجهوية المتقدمة دون التوقف عند الدور المحوري للأحزاب السياسية. فهذه الأخيرة تتحمل مسؤولية كبرى في اختيار المرشحين الذين سيقودون المجالس المنتخبة، ليس فقط بناءً على الولاءات السياسية، بل وفق معايير الكفاءة والخبرة والقدرة على التسيير.

وبالنظر إلى التحديات المطروحة، فإن المرحلة المقبلة تتطلب من الأحزاب تجاوز المقاربة التقليدية التي تعتمد على الشخصيات الأكثر شعبية، لصالح نهج جديد يعطي الأولوية للأطر القادرة على صياغة برامج تنموية واقعية وتنفيذها بفعالية.

و من بين المداخل الأساسية لتفعيل الجهوية المتقدمة، يأتي تكوين المنتخبين كعنصر جوهري. فحتى الكفاءات التي يتم اختيارها تحتاج إلى تأهيل مستمر لمواكبة التطورات المتسارعة في مختلف المجالات، سواء تعلق الأمر بالتدبير المالي، أو إعداد المشاريع، أو التفاعل مع المجتمع المدني. ولهذا، يُوصى ببرمجة دورات تكوينية منتظمة تستهدف المنتخبين على مستوى الجماعات الترابية، لضمان انسجام أدائهم مع متطلبات المرحلة.

في ظل الحماسة التي أثارتها المناظرة الوطنية الثانية، يبقى التحدي الأكبر هو تجنب تحويل الجهوية المتقدمة إلى مجرد شعار سياسي يُرفع خلال الحملات الانتخابية. فهذه الرؤية الإصلاحية لا يمكن أن تتحقق دون إرادة جماعية تتجسد في سياسات محلية فعالة، تقودها كفاءات قادرة على التوفيق بين تطلعات المواطنين والتوجهات الوطنية.

إن نجاح المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة يضع الأحزاب السياسية أمام مسؤولية تاريخية. فاختيار الكفاءات القادرة على تنزيل مضامين هذه المناظرة وتحقيق الأهداف المنشودة لم يعد خيارًا، بل ضرورة ملحة لضمان تحقيق التنمية المنشودة. والمواطن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يتطلع إلى تمثيلية سياسية حقيقية تكون في مستوى طموحاته، وتساهم في بناء مغرب الجهات بروح المسؤولية والمصداقية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة