قراءة قانونية وواقعية في مشروع القانون المتعلق بتنظيم شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب

هيئة التحرير13 فبراير 2025
قراءة قانونية وواقعية في مشروع القانون المتعلق بتنظيم شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب
رأي حر : بقلم ذ/أيمن منصوري، باحث في سلك الدكتوراه

يعد الإضراب من أهم الحقوق التي كفلها الدستور المغربي للعمال، كوسيلة قانونية للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم المشروعة، غير أن هذه الممارسة ظلت تتسم بعدم الوضوح في بعض جوانبها القانونية، مما أدى إلى انتشار العديد من الإضرابات العشوائية التي تؤثر سلبًا على سير العمل والمرافق العامة، في هذا السياق، استطاعت الحكومة الحالية لما لها من جرأة في تحريك عدة قوانين حساسة آخرها مدونة الأسرة، في إخراج مشروع قانون 97.15، الذي يهدف إلى تنظيم شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، بهدف خلق توازن بين حق العمال في التعبير عن مطالبهم، و المصلحة العامة لضمان استمرارية سير المؤسسات والخدمات الحيوية.

وينظم مشروع قانون 97.15 ممارسة حق الإضراب بشكل مفصل، حيث يحدد شروط وكيفيات ممارسته لضمان ألا يُؤثر سلبًا على الحياة اليومية للمواطنين أو على سير المرافق العامة. من أبرز ملامح هذا المشروع يحث على الإشعار المسبق بالإضراب مع تحديد القطاعات التي يحق لها الإضراب، ونص على أن الإضراب كحق مشروع مع ضرورة الحماية القانونية للعمال.

من الناحية القانونية، يعد مشروع قانون 97.15 خطوة هامة نحو تنظيم ممارسة حق الإضراب في المغرب بشكل يتماشى مع الواقع القانوني والاقتصادي للبلاد، فقد كان المغرب يعاني من غياب إطار قانوني موحد يحدد بدقة كيفية ممارسة الإضراب، ما أدى إلى العديد من النزاعات بين العمال وأرباب العمل حول مشروعية الإضرابات.

يُلاحظ أن المشروع يعكس توازنًا بين حق الإضراب وحق أرباب العمل في الحفاظ على استمرارية العمل وضمان استقرار المؤسسات. وبذلك، يسعى المشروع إلى تقليل الأضرار التي قد تنجم عن الإضراب العشوائي في القطاعات الحيوية.

لكن، في ذات الوقت، يطرح مشروع القانون بعض التحديات، خاصة فيما يتعلق بتحديد القطاعات التي يجوز فيها الإضراب، فاستثناء القطاعات الحيوية قد يثير تساؤلات حول إمكانية العمال في هذه القطاعات من التعبير عن مطالبهم. كما أن الإشعار المسبق قد يعتبر عائقًا أمام بعض العمال الذين لا يملكون الإمكانيات للتفاوض بشكل مسبق مع أصحاب العمل.

من الناحية الواقعية، يأتي مشروع القانون في وقت يعاني فيه الكثير من القطاعات في المغرب من توتر اجتماعي بسبب تزايد الإضرابات العمالية في مختلف القطاعات، وقد يؤدي تنظيم الإضراب إلى الحد من التعطيلات المفاجئة التي تحدث في بعض الأحيان نتيجة الإضرابات، وبالتالي ضمان استمرارية العمل في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية الحيوية.
لكن هذا التنظيم قد يكون له أيضًا آثار سلبية على بعض العمال، خاصة في القطاعات التي يحق لها الإضراب، فقد يشعر العمال أن حقهم في التعبير عن مطالبهم أصبح مهددًا أو محدودًا، خاصة إذا كانت المدة الزمنية للإشعار المسبق تُعتبر طويلة جدًا، كما أن استثناء بعض القطاعات مثل الصحة والنقل العام قد يعني تقييد حق العامل في الإضراب في القطاعات التي تهم بشكل كبير حياة المواطنين.

من جهة أخرى، قد يساهم المشروع في تقوية النقابات العمالية التي سيكون لها دور محوري في التنسيق مع أرباب العمل بشأن مواعيد الإضراب وشروطه، مما يعزز العمل النقابي المنظم ويقلل من الإضرابات العشوائية التي قد تضر بمصالح الجميع.
وأخيرا فإن مشروع قانون 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في المغرب يمثل خطوة هامة نحو تنظيم حق الإضراب في إطار القانون، وهو ما سيسهم في تحقيق التوازن بين حماية حقوق العمال وحق أرباب العمل في ضمان استمرارية سير العمل، وكذلك ضمان استقرار الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ورغم أهمية هذا التنظيم إلا أن تطبيقه الواقعي قد يواجه تحديات تتعلق بمحدودية حق الإضراب في بعض القطاعات الحيوية، وهو ما يقتضي متابعة مستمرة لضمان تطبيق القانون بطريقة عادلة ومتلائمة مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية في المغرب.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة