اليوم العالمي للشعر… حين يكون الإبداع صوتًا للصمود وصدى للحق

هيئة التحرير22 مارس 2025
اليوم العالمي للشعر… حين يكون الإبداع صوتًا للصمود وصدى للحق
محمد.بنوي

 

 

في 21 مارس من كل عام، يحتفي العالم بالشعر باعتباره تجسيدًا للإحساس الإنساني، وأداة للتعبير عن الأحلام والآلام. إنه ذلك الفن الخالد الذي يلامس الوجدان ويكشف الحقائق المغيبة، فيحمل صوت المظلوم ويجعل من الكلمات سلاحًا من أجل الحرية والكرامة .

وفي الوقت الذي يُرفع فيه شعار “الشعر من أجل السلام والوحدة” في احتفالية هذا العام (2025)، لا يمكن تجاهل واقع شعب بأكمله يتعرض يوميًا للمجازر والتهجير، فلسطين، تلك القضية التي كانت وما زالت أيقونة النضال الإنساني، استأثرت باهتمام كبار الشعراء، فأصبحت رمزًا خالدًا في قصائدهم
وصارت الكلمة مرآة للوجع وصدى للحقيقة.

فلسطين في عيون الشعراء: صوت لا يخبو

على مر العقود، لم يكن الشعر العربي مجرد تعبير عن المشاعر، بل كان ساحة نضال، وسجلًا يوثق آلام الأمة وانكساراتها وأحلامها. ومن بين القضايا التي اهتزت لها ضمائر الشعراء، كانت فلسطين تتصدر المشهد، حيث صاغوا بأقلامهم مراثيها وأهازيج صمودها، حتى باتت أشعارهم بمنزلة صرخة ضد الظلم والاحتلال .

محمود درويش: شاعر الأرض المحتلة

محمود درويش، ابن فلسطين وشاعرها الخالد، لم يكن مجرد كاتب، بل كان ضميرًا يتحدث باسم وطن محاصر، وقلبًا ينبض بحب الأرض التي لم تفارقه حتى بعد منفاه. كلماته لم تكن مجرد أبيات شعرية، بل كانت شهادة تاريخية على الألم الفلسطيني:

“أيها الأحياء تحت الأرض عودوا .. فإن الناس فوق الأرض قد ماتوا”.

بهذا البيت، يختصر درويش عالمًا فقد إنسانيته، عالمًا يشاهد المجازر دون أن يحرك ساكنًا، حيث أصبحت القيم التي يتغنون بها مجرد شعارات خاوية. وكأنه يحث الشهداء على العودة، لأن ما تبقى على وجه الأرض ليس سوى أجساد بلا ضمير.

ويضيف درويش في مرارة المنفي والمشرد:

“لم يفتني القطار وحده، بل فاتني المحطة، وضلني الطريق، وخانني رفاق السفر”.

إنها ليست مجرد كلمات، بل وصف دقيق لمأساة اللاجئ الفلسطيني، الذي لم يفتقد فقط وطنه، بل فقد أيضًا الأمان والانتماء، وحتى الصحبة التي كان يظن أنها ستظل وفية له.

سميح القاسم: صرخة في وجه الاحتلال

سميح القاسم، رفيق درويش في درب الشعر والمقاومة، لم يكن صوته أقل صلابة. شعره حمل جراح الأرض، وكان نبض الشعب في وجه الطغيان. من بين كلماته التي لا تزال تصدح في سماء القضية الفلسطينية، يقول بعد ان صاح :
“غزة تبكينا …لأنها فينا”

“عنقي على السكين يا وطني
ولكن أقول لك: انتظرني
ويداي خلف الظهر يا وطني
مقيدتان
ولكني أغني لك ..آه يا جرحي ..أغني
أنا لم أخنك ..فلا تخنّي
أنا لم أبعك ..فلا تبعني”.

في هذه الأبيات، يختزل القاسم مشهد الفلسطيني المقاوم، الذي رغم قيوده وسيف الجلاد فوق عنقه، يظل متمسكًا بالأمل، رافضًا التفريط في قضيته، ومصرًا على البقاء حتى النهاية.

نزار قباني: فلسطين في قلب العروبة الضائع

أما نزار قباني، فقد جعل من قضيّة فلسطين جرحًا شخصيًا، وبكى أطفالها ونساءها قبل أن يبكي انكسار الأمة العربية. في واحدة من قصائده الخالدة، يخاطب تلاميذ غزة، الذين لقّنوا العالم دروسًا في الصمود:

“يا تلاميذ غزة .
علمونا بعض ما عندكم فنحن نسينا
علمونا بأن نكون رجالًا ”

وكأنه يصف المشهد اليوم، حيث تتحول حجارة الأطفال إلى سلاح، ويصنعون من الركام طريقًا للحرية،.
لم يكن الشعر يومًا محايدًا، بل كان جزءًا من معركة الشعوب ضد الطغيان. فمنذ القديم، كان الشعراء صوت المقهورين، يفضحون الظلم، ويؤرخون للصراع. ولأن فلسطين هي أيقونة النضال العربي، فقد كانت حاضرًا دائمًا في قصائد الشعراء، ليس فقط الفلسطينيين، بل كل من حمل ضميرًا إنسانيًا.

وكما قال المتنبي منذ قرون، في بيت لا يزال يعبر عن واقع اليوم:

“إذا رأيت نيوب الليث بارزة
فلا تظنن أن الليث يبتسم”.

هو بيت يليق بحال فلسطين اليوم، التي رغم الجراح، لا تزال صامدة، ترفض الاستسلام، وتؤكد للعالم أن الصمود مستمر حتى التحرير.

خاتمة: الشعر ذاكرة لا تموت

في يوم الشعر العالمي، حين يرفع العالم شعار السلام والوحدة، لا بد أن نتذكر أن السلام الحقيقي لا يقوم على الظلم، وأن الوحدة لا تعني الصمت أمام الإبادة. فلسطين ليست مجرد قضية سياسية، بل اختبار لإنسانيتنا جميعًا.

وفي ظل هذا المشهد القاتم، يبقى الشعر صوتًا للحق، وسلاحًا في يد المقاومة، وشاهدًا على جراح لم تندمل بعد. فكما قال درويش:

“نحن لا نريد أن نربح الحرب، نريد أن نخسرها بشرف”

لكن الحقيقة أن هذا الشعب لن يخسر، لأنه يحمل في قلبه إرثًا من الشعر والصمود، سيظل خالدًا ما دامت هناك كلمات تكتب، وأصوات تنشد، وقلوب تنبض بحب الحرية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

التعليقات تعليق واحد
اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
  • المصطفى جباري
    المصطفى جباري منذ 3 أيام

    مقالك مؤثر وملهم، يربط بمهارة بين الشعر والقضية الفلسطينية، ويظهر كيف كان الشعر عبر العصور مرآة للمقاومة وصوتًا للحق. تسليطك الضوء على رموز الشعر الفلسطيني والعربي، مثل محمود درويش وسميح القاسم ونزار قباني، يعزز فكرة أن الكلمة كانت ولا تزال سلاحًا في وجه الاحتلال والظلم. كما أن الربط بين يوم الشعر العالمي وفلسطين يطرح تساؤلًا جوهريًا حول معنى السلام والعدالة في عالم يغض الطرف عن معاناة شعب بأكمله.

    إنه مقال يجمع بين الأدب والالتزام الإنساني، ويؤكد أن الإبداع ليس ترفًا، بل قوة مقاومة وذاكرة لا تموت. تحية لك على هذا الطرح العميق والواعي!

الاخبار العاجلة