الزليج المغربي… منبع حضاري أصيل وظل لا ينفصل عن صاحبه وهوية منقوشة على جدار الزمن

هيئة التحرير22 أبريل 2025
الزليج المغربي… منبع حضاري أصيل وظل لا ينفصل عن صاحبه وهوية منقوشة على جدار الزمن

رضوان عريف

 

الزليج المغربي ليس مجرد زخرفة من الطين واللون، بل هو لغة صامتة نُقشت على جدران التاريخ، تحدثت عبرها حضارات عن ذوقها، عن روحها، عن مفهومها للجمال المطلق. كل قطعة زليج هي وحدة وجودية تحمل في داخلها فلسفة التوازن، التناغم، والتكرار اللامتناهي الذي يحاكي الكون في دورانه الأبدي. فالزليج ليس فناً فقط، بل هو إستعارة بصرية لفهم مغربي عميق للكون، حيث يلتقي الحس الجمالي بالإيمان الداخلي.

حين تحاول بعض الدول المجاورة، اليوم، نسب هذا الفن الخالد إلى نفسها، فإن الأمر يتجاوز سـرقة زخرفة أو نمط بصري، بل هو إنتـهاك لذاكرة حضارية، ومحو متعمد لبصمة ثقافية وُلدت في فاس، ونمت في مكناس، وازدهرت في مراكش. إنه أشبه بمحاولة نزع الروح من الجسد، أو إقتـلاع الجذور من الأرض.

الفن، كما يقول الفلاسفة، لا يُسرق، بل يُفهم. والزليج المغربي ليس مجرد تراث محلي بل هو إنبثاق لوعي جمالي نادر، صاغته يد الصانع المغربي عبر قرون، لا كحرفة، بل كطقسٍ روحي. فحين يقطع الصانع قطعة الزليج، لا يبحث عن الشكل فقط، بل عن معنى. عن وحدة تصطف إلى جوار أختها لتُبني كينونة كاملة، تشبه هذا الوطن الذي تتعدد ألوانه لكن لا تنفصل أجزاؤه.

إن سـرقة الزليج ليست مجرد إغتـصاب لملكية ثقافية، بل محاولة لإغتـيال هوية، ولطمس منبعٍ حضاري أصيل. ولكن، وكما لا يمكن للظل أن ينفصل عن صاحبه، لا يمكن للزليج أن يُنتزع من ذاكرته المغربية. فالحقيقة، كما الزمن، لا تخون. والزليج سيظل ينطق بالمغربية، مهما حاولوا تغريبه.

في النهاية، لا يحتاج المغرب أن يثبت ملكيته للزليج، كما لا يحتاج القمر أن يُثبت أنه يُضيء. يكفي أن ننظر، أن نتأمل، وأن نصمت أمام الجمال، لنعرف لمن تنتمي هذه المعجزة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة