الشريف سداتي
تقع هذه المعلمة التاريخية بتراب جماعة اولاد عبد الله التابعة لاقليم الفقيه بن صالح . ويعود إنشاؤهاعلى الجانب الأيسر من مشرع أم الربيع المعروف بالمحج السلطاني ، إلى سنة 992 هـ /1584م على يد زيدان بن أحمد المنصور الذهبي الذي كان واليا على جهة تادلا . و تعتبر أول حاضرة شيدت على بلاد بني عمير ، و لم تلبث أن أصبحت تتحكم في نصف المغرب ، بعد أن وزع أحمد المنصور مجموعة من المناطق على أبنائه ، و فوض لهم جميع الصلاحيات و السلط التي كان يتمتع بها . و ربما كان هذا من الأسباب التي جعلت بعض المؤرخين يصفون المنطقة بالقطر التادلي ، و القصبة الزيدانية بالقصبة العميرية ، و حتى بالمدينة العظيمة .
و هكذا يمكن اعتبار القصبة الزيدانية حاضرة بني عمير ، و مقر خليفة السلطان القديمة ، بنيت قبل قصبة بلكوش ( بني ملال ) و القصبة الإسماعيلية بتادلا بزمن طويل . و قد أشار إليها المؤرخ أحمد المقري في كتابه < الروضة الآس . ص : 62 > في معرض حديثه عن المفاخر العمرانية للدولة السعدية قائلا : ” و كذا اسمه ، وهي من مفاخر هذا البيت النبوي الشريف ” . و أضاف عبد الوهاب بن منصور ( محقق الكتاب ) : ” و هي القصبة الزيدانية ” . و من المؤكد أن تشييدها على المحور الطرقي شمال جنوب / جنوب شمال ، كان يدخل في إطار مسؤولية الدولة السعدية التي جعلت على عاتقها مهمة أمن الطرق ، كما ورد في كتاب< تاريخ الدولة السعدية . ص :66 > لصاحبه المؤرخ المجهول : ” فكان أحمد المنصور السعدي قد عمل قبل ذلك على تأمين الطرق ، فجعل كل شيخ ضامنا لما يضيع في إيالته ، أكد العهود ، و أخذ المواثيق على رؤساء القبائل ” .
و رغم تشييد المولى إسماعيل لقصبة تادلا فقد ظل دور القصبة الزيدانية الأساسي مستمرا ، و يبرز هذا الدور من خلال تعيين السلاطين العلويين لأمناء القصبة ، و من بينهم تعيين السلطان مولاي الحسن الأول لمحمد الحسن الهردة السوسي أمينا مكلفا بمرس الزيدانية و مسؤولا عن الخرص في منطقة تادلا . و لا بد من الإشارة في هذا المضمار إلى أن نقيب الشرفاء العلويين في المنطقة كان يقيم بالقصبة الزيدانية ، و يضطلع بجزء مهم مما يقوم به المخزن الجهوي من أخبار ، و استقبال للوفود ، و إجراء الصلح و التوسط ، و إجراء التحقيقات ، و تقديم الاقتراحات ، و تهدئة الأوضاع ، و التشفع لدى السلطان …
و من غير اللائق الحديث عن الثقافة دون التطرق إلى الزيدانية ، ذلك أنه بمجرد وصول زيدان لتادلا جمع حوله أهم شخصيات الإقليم البارزة ، و كان على رأسهم : أحمد بلقاسم الصومعي ، و امحمد الشرقي ، و أحمد بن أبي محلي ، و غيرهم . و قد استدل – في الموضوع – الأستاذ و الباحث أحمد محمد قاسمي في كتابه< تاريخ قبيلة بني عمير و المحيط التادلي . ص : 87 > بما جاء في وريقات مبعثرة ، الخزانة الحسنية : ” و كما كانت الزيدانية مركزا سياسيا فقد كانت مركزا ثقافيا ، بأحضانها تعقد للعلم المجالس و الندوات ، و في رحابها تقام الصلوات ، و بين جنباتها عزف العازفون و غنى المغنون ، فعلت حناجر الغيد ، تضاهي الطير بجميل الأغاريد و اللحون و أعذب الفنون .
هي آية في الفن تنبئ من أتى ***** عمن مضى و كفى بها للراء
و أشار إليها كذلك محمد الصغير اليفرني في كتابه< نزهة الحادي . ص :242> حيث قال : ” كان زيدان فقيها مشاركا ، و كان كثير المراء و الجدال ، كما وقع له مع سيدي أحمد بلقاسم الصومعي .
إلا أنها على الرغم من الدور السياسي و الأمني و الثقافي و الاقتصادي الذي ظلت تلعبه على مر الزمان ، فقد ظلت دوما في أذهان العميريين و غيرهم من أهل الربع التادلي ، على حد تعبير الباحث أحمد محمد قاسمي ، رمزا للسلطة و ما يمكن أن تثيره هذه الكلمة من خوف و رهبة في النفوس ولعل ذلك ما أخر نموها الحضاري و أبعد السكان عن جنباتها ، كما جعلها هدفا مرصودا لقوات الاحتلال الفرنسي حين دخولها المنطقة ، فكان أن احتلتها بتاريخ : 10 أبريل 1913م . و استباحت هدمها و شجعت على نهب نفائسها ، مما دفع بعض القواد إلى جلب أخشابها و سقوفها لتشييد منازلهم …