تحتفل كل شعوب العالم بأعياد ذات ارتباط بمروثها الديني، و من ضمنها شعوب العالم الإسلامي. وقد شرعت الأعياد في الإسلام لحكم سامية ولمقاصد نبيلة، كما أنها تعتبر فرصة للفرح ولتقوية الروابط الاجتماعية، و الترويح عن النفس ونشر المودة والرحمة بين المسلمين وتدعيم أواصر التعاون والتكافل بين أبناء المجتمع الواحد.
والمغرب باعتباره بلدا مسلما، يحتفي سكانه سنويا بأعياد دينية أبرزها عيدي الفطر و الأضحى وهما عيدين يهدفان في عمقهما الروحي إلى ترسيخ قيم إنسانية نبيلة منها الفرح الجماعي و التكافل الاجتماعي و تقوية أواصر القرابة بين العائلات من خلال تبادل الزيارات.
وإذا كانت الأعياد الدينية لدى شعوب أوربا و أمريكا ودول أخرى، مناسبات تطبعها أجواء البهجة و الفرح، والإقبال على التسوق جراء التخفيضات الكبيرة في أثمان السلع بالمتاجر كما هو الشأن خلال احتفالات أعياد الميلاد المسيحية، وذلك لتمكين شعوب هذه البلدان من تخليد احتفالاتها الدينية في أجواء احتفالية و تضامنية، فالأمر ببلادنا مختلف تماما، خاصة خلال السنوات الأخيرة التي شهدت تفاقما لافتا لمظاهر الجشع و الربح السريع و الغش الفاضح في السلع.
فمع اقتراب حلول عيدي الفطر و الأضحى، وهما العيدين الدينيين الأساسيين خلال السنة، تزداد المضاربات في السلع ذات الإستهلاك الواسع، وترتفع أسعار المواد المستهلكة بطرق غير قانونية، و تشتعل أسعار تذاكر السفر بالمحطات الطرقية. كما تتضاعف مظاهر الغش في جودة السلع و استغلال الإقبال المكثف عليها، بشكل فاحش، بغية تحقيق الربح السريع دون أي رادع أخلاقي و في غياب شبه تام للوازع الديني. فخلال شهر رمضان الأبرك، الذي يعتبر مناسبة للعبادة و التقرب إلى الله، يتم سنويا حجز أطنان من المواد المستهلكة الفاسدة، و المزورة (تاريخ الصلاحية)، و تنقل مختلف وسائل الإعلام بما فيها التلفزات الرسمية أخبار الحجز و المخالفات. وتعكس هذه المظاهر المتفاقمة سنة بعد أخرى، التراجع المثير على مستوى القيم الدينية و الإنسانية والتي كانت تطبع خصوصيتنا كمغاربة قبل عقود من الزمن.
و مع حلول مناسبة عيد الأضحى تزداد معاناة شرائح واسعة من المجتمع المغربي، التي تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع ثلة من “الشناقة” والمضاربين و الغشاشين، ولعل فضيحة اللحوم الفاسدة خلال عيد الأضحى الأخير خير دليل على مستويات الجشع الصارخة و المهددة لصحة المواطنين و المواطنات، حيث اشتكى العديد من المغاربة من تعفن لحوم الأضاحي ساعات قليلة بعد ذبحها ووضعها في الثلاجات، دون معرفة الأسباب التي حولت اللحوم الحمراء إلى لحوم زرقاء و خضراء فاسدة. حيث أشارت أصابع الاتهام إلى فرضية استعمال أدوية وأعلاف للتسمين بطرق غير مشروعة تسببت في فساد لحوم العيد، و حولت عيد بعض المغاربة إلى مأساة.
إن تفاقم مظاهر الغش و التزوير و الزيادات غير القانونية في الأسعار، وتنامي مظاهر العنف بشكل صادم خلال المناسبات الدينية، كما هو الحال خلال شهر رمضان، يبرز بوضوح مفارقات صارخة بين مظاهر التدين الزائفة لدى البعض، والممارسات الخبيثة التي تتوخى الكسب السريع بمنطق “الهمزة” و “التنوعير”على حد تعبير السوسيولوجي الكبير المرحوم محمد كسوس الذي استعمل العبارة في سياق وصف انتهازية بعض النخب السياسية و الاقتصادية.
هذا الوضع المقلق على مستوى تراجع الوازع الديني و الأخلاقي، وما نجم عنه من تلاعبات مضرة بالصحة و تفاقم لمظاهر العنف و الإجرام، يستدعي منا جميعا فتح نقاش و طني على مستوى كل المؤسسات (برلمان، الجماعات الترابية، المؤسسات التعليمية و التربوية و الثقافية)، وعلى مستوى هيئات و مؤسسات المجتمع المدني، من أجل بلورة استراتيجية وطنية لوقف نزيف هذه المظاهر السلبية المسيئة لشعبنا و لوطننا، وبلورة تصورات اجتماعية وأنماط سلوكية ومعايير اجتماعية تقطع مع كل السلوكات المشينة، مع التركيز على سن سياسات عمومية، يكون المواطن والمواطنة في صميم جوهرها و تطلعاتها، و الإرتقاء بالعمل السياسي و الحزبي و تطهيره من النخب الانتهازية و الفاسدة، وذلك بغية إعادة الأمل، و بناء مجتمع متضامن و متماسك، تكون فيه الأعياد مناسبة حقيقية للفرح و الاحتفال و ليس فرصة للغش و النصب و وإلحاق الضرر بجيوب البسطاء. هذا ما نتمناه على كل حال.