إعداد: محمد البصيري
تظهر العديد من الدراسات الحديثة أن هناك علاقة إيجابية بين ممارسة الأنشطة الرياضية والتحصيل الدراسي لدى الأطفال. وفي هذا الصدد تزايد الاهتمام بين المختصين للتعرف على العوامل المؤثرة في التحصيل الدراسي لديهم والكشف عن الطرق التي تساعد على زيادة التفوق لتدعيمها وتعزيزها، إضافة إلى التعرف على العوامل التي قد تؤدي إلى الإخفاق الدراسي لتجنبها.
ويلاحظ ارتفاع مستوى الطموح لدى الأطفال الممارسين للنشاط الرياضي والبدني وامتلاكهم لما يسمى بالدافعية للإنجاز، كما تشير بعض الدراسات إلى أن التلاميذ الذين يشاركون في الأنشطة المدرسية سواء داخل أم خارج المدرسة تكون لديهم قدرة على الإنجاز الأكاديمي وفي الغالب يكونون من المتفوقين دراسيا، ويتمتعون بنسبة ذكاء مرتفعة ، كما يتمتعون أيضا بروح قيادية وثبات انفعالي وتفاعل اجتماعي، ويمتلكون القدرة على المثابرة عند القيام بأعمالهم.
و تؤكد العديد من الدراسات على دور المدرسة في تعزيز الأنشطة الترويحية وفي هذا السياق يقول الباحث “وليم فونس” :” أن وظيفة المدارس يجب ألا يقتصر على تنمية المعرفة، بل يجب أن تهتم إلى جانب ذلك بتنمية القدرات والمهارات للإستفادة منها في استثمار وقت الفراغ بشكل إيجابي وفعال”.
كما أن الميثاق الدولي لأنشطة الترويح يؤكد في أحد بنوذه “على الدولة تنظيم برامج دراسية لتعليم الأطفال والشباب والكبار المهارات الترويحية وإكسابهم اتجاهات سليمة فيما يتعلق بممارسة النشاط الترويحي”.
“العقل السليم في الجسم السليم” مقولة قديمة جدا أكدتها دراسة علمية حديثة صدرت عن المركز الطبي لجامعة أمستردام استنادا على سلسة من البحوث أجريت على عشرات الآلاف من تلاميذ المدارس في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وجنوب إفريقيا. الدراسة أكدت على أن تلاميذ المدارس الذين يمارسون الرياضة البدنية بانتظام يحصلون على درجات أفضل في دراستهم.
تابعت ذات الدراسة لمدة خمسة سنوات تلاميذ مدارس تتراوح أعمارهم بين السادسة والثامنة عشر من العمر، واكتشفت الدكتورة “اميكا سينج” وزملائها علاقة ترابط قوية بين قدرات التعلم ومعدل الدرجات التي يحصل عليها التلاميذ في المدرسة حسب مقدار الجهد البدني الذي يبذلونه في اليوم.
من جانب أخرتقول الدكتورة “سينج” أن ذلك أمر مؤكد وربما يعود ذلك إلى أن الحركة الجسدية تضخ المزيد من الدماء للمخ مما يحسن التحصيل الدراسي، لكننا تقول الباحثة “لا نستطيع أن نحدد بالضبط نوع ومقدار الرياضة التي يجب أن يمارسها التلميذ للحصول على درجة 10/10 في دارسته”، وربما أمكن تحديد ذلك أيضا في المستقبل بإجراء المزيد من الدراسات.
ومن المؤشرات المهمة التي صدرت عن الدراسة أن ممارسة الأنشطة البدنية والرياضية والحركة تخفض الضغوط النفسية بدرجة ملحوظة وتحسن المزاج وروح المرح اللذان يؤديان بدورهما لتحسين التحصيل المدرسي والسلوك الشخصي للتلاميذ. وللرياضة دور هام في تعليم التلاميذ أهمية الالتزام بالقواعد والنظم مما يجعلهم أفضل أدبا وسلوكا وبالتالي أكثر استعداد للتركيز أثناء الدروس. وقد أجريت هذه الدراسة بعد تزايد القلق على أن الضغوط المستمرة على التلاميذ لتحسين أدائهم المدرسي جعلهم يبقون لفترات طويلة على مقاعد الصفوف الدراسية وخلف شاشات الكمبيوتر مع قلة الأوقات التي يقضونها في الحركة وممارسة الرياضة.
ويحظى هذا الموضوع باهتمام واسع من قبل الآباء والمؤسسات التربوية في هولندا. إذ يلاحظ الجميع بقلق أن التلاميذ يقضون ساعات اقل في دروس الرياضة البدنية والجمباز. وكانت دراسة سابقة أجرتها جامعة أمستردام قد أكدت أن التلاميذ في هولندا الأن يمارسون رياضة اقل وأكثر ميلا للبدانة مقارنة بأمثالهم قبل ثلاثين عاما.
وخلصت دراسة علمية أخرى كذلك أجريت على ما يقرب من 12 ألف طفل تراوحت أعمارهم بين السادسة والثامنة عشرة، الى أن الإنتظام في ممارسة الرياضة ومزاولة الأنشطة الحركية تعمل على مضاعفة معدلات الأكسجين الذي يصل إلى خلايا المخ، ما يساعد على تحسين كفاءة أداء الوظائف العقلية والمعنية بالاستذكار والتفكير. وأظهرت ذات الدراسة أن حرص الأطفال على ممارسة الرياضة بصورة منتظمة واللهو في الهواء الطلق بصفة دائمة، خاصة في مراحل التعليم الابتدائي، تساعدهم على ارتفاع معدلات التحصيل الدراسي بصورة ملموسة.
ودائما في نفس الموضوع وبعد تقييم حوالي 12 دراسة علمية شملت 200 طفل في سن المدرسة، توصل باحثون في جامعة جورجيا بمدينة “أثينز” بالولايات المتحدة الأمريكية إلى أن ممارسة الرياضة لساعة إضافية في اليوم تجعل الأطفال يتعلمون القراءة والحساب بشكل أفضل. وخلص الباحثون إلى أن التلاميذ الذين لا يمارسون الرياضة في المرحلة الابتدائية يتراجع مستواهم العلمي في الكثير من المواد الدراسية.
ومن هنا يمكن القول إن الأنشطة الرياضية تُعد من أهم الوسائل التي يمكن استخدامها لتدعيم الحياة السوية للأطفال والرفع من إنتاجهم وتحصيلهم الدراسي على اعتبار وجود علاقة متينة بين الحركة والتفكير والتعلم أو زيادة التحصيل الدراسي.
لكن وللأسف يتم تهميش الأنشطة البدنية والرياضية بمدارسنا الإبتدائية ببلادنا، إذ يتم إحتجاز التلاميذ طيلة اليوم داخل الحجرات، ويحرمون من حق أساسي ينص عليه الميثاق الدولي لحقوق الطفل، وهو الحق في الحركة واللعب. لدى نجدهم وبشكل عفوي يركضون بحماس أثناء خروجهم من المدارس.