مثله كمثل مركّب طبّي بدون علم القطاعات الوصيّة؛ ذلك المشهَد المُشاهد بالسّوق الأسبوعي سبت أولاد النمّة و كباقي الأسواق الأسبوعيّة في المدن و القرى المغربيّة؛ حيث تتواجد بعض الاختصاصات الطبيّة الرخيصة التّكلفة؛ فهناك طبّ الأسنان الذي يعرض خدمات علاج ألم الأسنان أو قلعها بدون ألم، سواء باستعمال البنج أو بدونه، و كذلك القضاء على رائحة الفم الكريهة، و هناك اختصاص الجهاز الهضمي؛ الذي يعالج الغثيان، و القيء، و قرحة و حرقة المعدة، و التهابها، و يعالج كذلك مشاكل الأمعاء و ما يعتريها من ألم أو انتفاخ، و يشفي نهائيّا من مرض البواسير بدون جراحة.
أمّا الأروع؛ فهو الثّمن البخس للعلاج السّريع لأدواء الأذن، و ما يصيبها من تعفّن، و طنين، و صمم حاد أو مزمن و غير ذلك، أمّا تطبيب العيون فحاضر بقوّة حيث يعيد للبصر قوّته و يشفي من كلّ أمراض العيون، و في نفس المكان و على يد المعالج الموسوعة يمكن للإنسان أن يجد و في ظرف خمس دقائق علاجا لأمراض الروماتزم و الأمراض الجلديّة و الكزيما و تعفّنات الكلي و الجهاز البولي، دون أن ننسى توفّر الأدويّة لعلاج التوتّر و الضعف الجنسي. و لتعمّ الفائدة يُستعمل مكبّر الصّوت و تُبثّ من خلاله دروس في الصحّة البدنيّة و النّفسيّة و كذلك في العلاقات الزّوجيّة، إضافة إلى الكثير من الاختصاصات أعتذر عن ذكرها لضيق المجال، كما أعتذر عن عدم إدراج الكثير من الجمل و الكلمات بين قوسين .
ليس غريبا أن يسلّم المواطن مصير عينيه، أو أذنيه، أو كليتيه، أو أحد أغلى أعضاء جسمه إلى شخص في سوق أسبوعي يتقمّص دور خبير أعشاب و صيدلاني و طبيب مختص في أكثر من جهاز؛ فقد يكون هذا ما وجد عليه آباءه، و ذلك مبلغه من العلم و الوعي، أو يكون ذلك ما جنته عليه قلّة الحيلة وقصر ذات اليد؛ و لكنّ الغريب أن لا ترى أو تسمع طيلة سنوات ارتيادك لمثل هذه الأسواق أنّ موظّفا يمثّل قطاعا حكوميّا له علاقة وصاية بالصحّة يعاقب أو يحاسب أو يعاتب أو يناقش شخصا يدّعي أمام الملأ، و عبر مكبّر الصّوت بفضل علمه و بواسطة خلطة لا يعلم أحد ما تحويه من أعشاب و مواد، ويقسم بأغلظ الأيمان و يتحدّى و يجزم أنّه قادر على علاج صمم مزمن أو طنين في الأذن استعصى على خرّيجي كلّيات الطب علاجه، و قادر على علاج ضعف البصر، و علاج البواسير بدون جراحة أمام الشّهود و في خمس دقائق.
و بالتّالي ليس غريبا أن يُسقط المواطن ما يتعلّمه عند روّاد الحلقة و المعالجين التّقليديين في الأسواق الأسبوعيّة على تعامله مع المراكز الاستشفائيّة و الصحيّة لوزارة الصحّة، و مع المصحّات و العيّادات الطبيّة؛ فتراه ينتظر الشّفاء في الحين أو في يوم و ليلة بتناول دواء وصفه الطّبيب، أو تراه يصف معاناته و يشخّص مرضه بناء على معطيات استقاها من الأسواق؛ لأنّه اكتسب بتردّده على خيّام هؤلاء المعالجين و حلقاتهم المناعة ضدّ تأثير البرامج التّحسيسيّة لوزارة الصحّة، و لكن الغريب أن تترك هذه الأخيرة هؤلاء المسترزقين لحالهم و تتجنّب إزعاجهم على الرّغم من أنهمّ قد يشكّلون خطرا على صحّة الغير، بل هم أنفسهم يعتبرون مشكلا صحّيا؛ فقد يكون التّداوي الغير السّليم بالأعشاب و المواد المجهولة المصدر و بكميات مبالغ فيها و بصفة متكرّرة، قد يكون سببا مباشرا أو غير مباشر في ارتفاع عدد حالات مرضيّة خطيرة مثل القصور الكلوي المزمن و التي لم تستطع الوزارة التكلّف بكلّ مرضاه، و الغريب كذلك أن يقف الفاعلون الآخرون في مجال حفظ الصحّة، كالجماعات التّرابيّة مثلا، موقف المتفرّج على هذه المهزلة التي تضع صحّة المواطن على المحك.
تطوّر المجتمع و طوّرت الدّولة آليات التعامل معه، و بدل اعتبار السّوق الأسبوعي فضاء مناسبا و مهيّئا للتّحسيس و التّواصل المستمر مع المواطن حول كلّ ما يعنيه من برامج صحيّة و اجتماعيّة و دينيّة و غيرها؛ ظلّ في نظرها تجمّعا اقتصاديا- اجتماعيّا يحرّك الدّورة الاقتصاديّة محليّا على مدار الأسبوع لا أقلّ و لا أكثر، و تحوّل بسبب ذلك الفراغ إلى مصدر و معين لا ينضب لمصائب صحيّة و فكريّة ثقافيّة، حيث أصبح بمثابة الخزّان المتجدّد و المتوارث خلفا عن سلف بين روّاد الخرافة؛ سواء المتعلّقة بالصحّة و التّداوي، أو الخرافةالثّقافيّة المحضة.