إعداد: محمد البصيري
يعتبر قطاع الزيتون من الركائز الأساسية للنشاط الفلاحي بجهة بني ملال خنيفرة، إذ يلعب دورا أساسيا على المستويين الاقتصادي و الاجتماعي بما يدره على الفلاحين ومجموع المنتجين من مداخيل مالية، وتوفيره لما يناهز 2 مليون يوم عمل سنويا بالجهة وبخاصة في موسم الجني، وكذا مختلف العمليات الأخرى بما فيها التسويق، التصنيع والتحويل.
وتمثل أشجار الزيتون بأقاليم بني ملال، أزيلال والفقيه بنصالح (جهة تادلة أزيلال سابقا)، حوالي 60 بالمائة من الأشجار المثمرة بمساحة تقدر ب 61 ألف هكتار منها 70 بالمائة مسقية، هذه المساحة تمثل حوالي %7 من المساحة المخصصة لأغراس الزيتون على المستوى الوطني. ويساهم هذا القطاع بنسبة تصل إلى 15 بالمائة من الإنتاج الوطني، أي ما يعادل 52460 طنا.
وقد شهد قطاع الزيتون بالجهة تحولات هامة خلال السنوات الأخيرة همت أساسا توسيع المساحة المغروسة بوتيرة 1000هكتار سنويا مع إدخال أصناف جديدة وذلك بتوزيع مليون شتلة من الزيتون على الفلاحين خلال الأربع سنوات الأخيرة مدعمة من طرف الدولة ب 80 بالمائة، بالإضافة إلى إعادة هيكلة المعاصر التقليدية وعصرنة قطاع التحويل حتى يتمكن من مسايرة متطلبات السوق في إطار المنافسة الدولية.
ورغم هذه التحولات، فإن هذا القطاع لايزال يعرف مجموعة من العراقيل تحد من تنميته وتهم الجوانب التقنية، التحويلية والتنظيمية والمتصلة بضعف العناية بشجرة الزيتون، هيمنة استغلاليات الزيتون الصغرى 75 بالمائة، عدم وجود شراكة وروابط بين المصنعين والفلاحين، وضعف تثمين المنتوج وكثرة المضاربين والوسطاء.
مشاريع لتأهيل القطاع وتطويره
يرى المسؤولون في المجال الفلاحي بالاقاليم المذكورة، أنه نظرا للأهمية الاقتصادية والاجتماعية لقطاع الزيتون، فقد وجب إعادة تأهيل القطاع حتى يلعب دوره المتميز ويواكب التحولات عبر تأهيل قدراته الإنتاجية وتحسين الجودة ليكون قادرا على مواجهة التنافسية والانفتاح. في هذا الصدد أعدت استراتيجية جديدة تستمد أسسها من المخطط الجهوي للفلاحة، في إطار برنامج المغرب الأخضر الذي يروم بالأساس الانتقال من رؤية تقليدية إلى مقاربة عصرية تهدف إلى تجديد نسيج الفاعلين بالقطاع وتشجيع الاستثمار الخاص بالإنفتاح حول نماذج مندمجة أثبتت نجاحها إن على الصعيد الدولي أو الوطني.
ويشير ذات المسؤولين أن قطاع الزيتون بالجهة حظي بميزة خاصة في المخطط الجهوي الفلاحي، حيث اشتمل على 20 مشروعا لتنمية سلسلة الزيتون. وتستهدف هذه المشاريع 40 ألف منتج للزيتون، فيما تقدر قيمة الاستثمار بهذا القطاع مابين 2009 و2020 بحوالي561 مليون درهم.
ومن بين هذه المشاريع التي تم إنجازها مشروع سيدي عيسى لتثمين منتوج الزيتون الذي حظي بتدشينه من طرف الملك محمد السادس أثناء زيارته للمنطقة في أبريل 2010.
ونظرا لنجاح هذا المشروع، قامت المديرية الجهوية للفلاحة ببرمجة 3 مشاريع في سنة 2011 ( مشروع لكل إقليم بالجهة ) بقيمة إجمالية تفوق 11 مليون درهم وبتعلق الأمر بمشروع تثمين منتوج الزيتون بمنطقة الجبل بأزيلال، مشروع تثمين منتوج الزيتون بمنطقة الدير ببني ملال، ثم مشروع تثمين منتوج الزيتون بمنطقة السهل بالفقيه بن صالح، إضافة إلى توسيع مشروع سيدي عيسى وذلك باقتناء وحدة عصرية ثانية وكذا مشروع تنمية قطاع الزيتون بمنطقة الري الصغير والمتوسط.
ومع التزايد المستمرللطلب الداخلي والخارجي، فإن الاستهلاك الفردي لزيت الزيتون بالمغرب يبقى مع ذلك ضعيفا بالمقارنة مع دول أخرى متوسطية. ومما يزيد في تشجيع الاستثمار في هذا القطاع المهم، هو الاهتمام المتزايد لكبار المستثمرين بزراعة زيت الزيتون بالمنطقة( مغاربة وإسبان على الخصوص )، حيث يجدون فضاءات رحبة وشاسعة جد مشجعة لممارسة هذه الزراعة، هذا إضافة إلى وجود إمكانيات حقيقية للتصدير من خلال الانفتاح على الأسواق العالمية الأخرى وتنويعها ( دول آسيا نموذجا) ، بحيث تعتبر جودة زيت الزيتون البكر، التي هي بمثابة زيت طبيعية لتوفرها على القيم الغذائية والبيولوجية وكذا الخصائص العضوية للزيت، حيث أكدت أبحاث طبية حديثة دورها الشفائي ضد مرض انسداد الشرايين.
وفي ضل هذه المعطيات، أفاد مختصون في هذا المجال أن القطاع عرف خلال السنوات الثلاث الأخيرة تطورات مهمة تجلت في توسيع المساحة المغروسة وإدخال أصناف جديدة ك«الحوزية»، و«المنارة» و«بيشولين لونكدوك»، مع توزيع ألاف شتلة على الفلاحين مدعمة ب80 % من طرف الدولة.
وأوضحت مصادر مختصة في القطاع، أن برنامج عمل تنمية قطاع الزيتون يهدف إلى بلوغ مساحة 80000 هكتار مع حلول سنة 2020 والانتقال بمعدل المردودية من 2.6 طن في الهكتار المسجلة حاليا إلى 5 أطنان في الهكتار سنة 2020، أي رفع سقف الإنتاج من 101200 طن إلى 300000 طن ثم 420000 طن سنة سنة 2020.
معاصر زيت الزيتون في حاجة تطوير وتأهيل
يشير مختصون في مجال تصنيع وإنتاج زيت الزيتون أن المعاصر المنتشرة بكثرة بتراب الجهة تساهم في ضياع حوالي 4 لترات في القنطار الواحد بسبب النظام التقليدي في التصنيع، كما أن هذا النظام التقليدي يخلف أضرارا كبيرة على مستوى سلامة البيئة جراء تصريف مخلفات الزيتون المعروفة بإسم “الفيطور” و”المرجان” مباشرة على سطح الأراضي الفلاحية و في مجاري الأنهار المجاورة للمعاصر والقنوات المائية مع ما يشكله ذلك من خطورة على التربة والمياه الجوفية.
ويشدد المختصون على ضرورة عصرنة المعاصر للحصول على إنتاج قوي وجودة تقارن المعايير التي اقرها المشرع تضمن للمستهلك تغذية صحية محليا، جهويا، وطنيا ودوليا لمواجهة الأسواق العالمية وأعطى مثالا بتونس التي تصدر ما يفوق من 270 ألف طن سنويا، مذكرا بأن نسبة كبيرة من زيت الزيتون غير صالحة للاستهلاك لعدة عوامل منها المعاصر التقليدية الغير خاضعة للمعايير الحديثة، و كذلك الحموضة التي تصل أحيانا إلى 10% عوض%3.3 أما عملية العصر فتتم غالبا بطرق تقليدية.
لهذا يوصي ذات المختصين بتغيير طريقة العمل وإخضاعها لمعايير المشرع، واعتماد نظم حديثة للحد من مخاطر نفايات “المرجان” والفيطور.
“المرجان” نفايات الزيتون الخطيرة
تؤكد العديد من الأبحاث العلمية على أن مخاطر مادة “المرجان”، تتجلى في مكوناتها السامة والمعقدة من حيث تركيبتها، والمستعصية من الناحية العلمية حتى الآن، على المعالجة، فهي تتسرب بدرجة متسارعة إلى باطن الأرض لتؤثر على جودة الموارد المائية الجوفية، علاوة على ما لها من آثار سلبية على خصوبة التربة وتدهور وضعية المغروسات والنباتات، فضلا عن الأضرار التي تلحقها بالساكنة ومحيطها .
والملاحظ أن تزايد معاصر الزيتون التقليدية وما انضاف إليها من تقنيات ومطاحن حديثة في مجال تثمين المنتوج، لم يواكبها أي تفكير جدي في تدبير نفايات الزيتون التي يرمى بها عشوائيا بالأراضي والحقول الخصبة. إذ صارت نفايات “المرجان” معضلة حقيقية و آفة خطيرة تهدد الإنسان والوسط البيئي، في غياب حلول جدية والسبل الكفيلة بوضع حد لآثارها السلبية.
وتظهر ذات الدراسات والأبحاث، أن مخلفات مادة «المرجان»، ذات حمضية مرتفعة، وغنية بالمواد العضوية والمواد الجافة والأملاح ومتعددات الفيول، كما تحتوي على نسبة مهمة من المعادن الثقيلة، منها الزنك والحديد. كما أن دراسات تجريبية أبرزت تأثير مادة المرجان على التربة، وبالخصوص على الملوثات الدقيقة العضوية وغير العضوية داخل التربة،و تغيير الخصائص الفيزيائية الكيميائية للتربة، حيث ارتفاع تركيز الكربون العضوي، وتركيز مواد “القيت” .
وفي هذا السياق سبق أن أنجزت مصالح القسم الاقتصادي بعمالة إقليم قلعة السراغنة، دراسة ميدانية حول مخاطر نفايات زيت الزيتون، المعروفة بمادة «المرجان»، وخلصت الدراسة إلى أن مخاطر هذه المادة، «تفوق ب100 مرة آثار التلوث التي تخلفها المياه العادمة المترتبة عن الاستعمالات المنزلية بالوسط الحضري»، وحسب الدراسة، فإن النتائج المترتبة عن التخلص العشوائي من هذه النفايات تتمثل في «إتلاف التربة وتدهور جودتها وغطائها النباتي، وتدمير الأغراس والنبات بفعل أملاح البوطاس المتسربة من المرجان بكثرة، وتلويث الفرشة المائية ومجاري المياه والسدود، بالقضاء على الأسماك والطحالب وما شابهها من كائنات حية، وإضعاف الصبيب المائي وخنق قنوات الري نتيجة الخسائر التي تلحقها تراكمات مادة المرجان، وأثرها على تدمير تجهيزات السقي».
واقترحت الدراسة ثلاثة خيارات تروم وضع حد لمظاهر التلوث المنتشرة في مختلف أنحاء الإقليم في كل موسم زيتون جديد، منها في البداية بناء أحواض مكسوة بالخرسانة ومفروشة بصفائح بلاستيكية وفق مواصفات تساعد على تبخر سائل المرجان، ثم التخلص من المواد الصلبة المتبقية بعد التبخر، أما الخيار الثاني فيتمثل في طريقة إيكولوجية، عن طريق استعمال آليات حديثة تستند إلى التدرج في المعالجة عبر ما يعرف بنظام الدورتين المعمول به حاليا في كل من ايطاليا واسبانيا والبرتغال واليونان ، وأخيرا، هناك الخيار الثالث المتمثل في إنشاء محطة إقليمية متخصصة في معالجة مادة المرجان، عن طريق الاستعانة بالخبرة الاسبانية والإيطالية، بالنسبة للمعاصر التقليدية التي لا تتجاوز طنا واحدا في اليوم، وتتعلق بالتخلص التدريجي من المرجان عبر رمي أكوام من التبن بأحواض مبلطة لتجميعه وتجفيفه فيما بعد، وإعادة استعماله أو بيعه كوقود يستعمل للأفرنة والحمامات.
المخطط المديري لوكالة الحوض المائي أم الربيع
وعيا منها بالرهانات السوسيواقتصادية والبيئية المرتبطة بتلوث الموارد المائية بمخلفات معاصر الزيتون من “المرجان”، أعدت وكالة الحوض المائي لأم الربيع قبل سنوات مخططا مديريا لمحاربة الظاهرة يشمل خمس أقاليم (بني ملال، أزيلال، الفقيه بن صالح ، قلعة السراغنة وإقليم الرحامنة). وقد ارتكزت الوكالة في إعداد مخططتها على أبحاث ودراسات علمية ميدانية خصت وحدات المعاصر التقليدية والعصرية والشبه عصرية بالأقاليم المذكورة.
وقد تم تشخيص دقيق لوضعية معاصر الزيتون والتي يبلغ عددها بالنسبة للمعاصر التقليدية، 1013 يإقليم أزيلال و 260 ببني ملال و 471 بقلعة السراغنة و التي تقذف ما يعادل 30054 متر مكعب من المرجان خلال السنة، يتم التخلص منها إما بوضعها داخا أحواض وسط الأراضي الفلاحية أو رميها عشوائيا فوق التراب أو بالشعاب دون معالجة. كما تنتج هذه المعاصر نفايات صلبة “الفيطور” تقدر ب 25379 طن في السنة.
أما الوحدات العصرية والشبه عصرية والبالغ عددها 23 وحدة بأزيلال و 54 بالفقيه بن صالح و 36 ببني ملال و 84 بقلعة السراغنة و 4 بإقليم الرحامنة فهي تفرز 86326 متر مكعب من المرجان حلال كل موسم فلاحي، و 29822 طن في السنة من النفايات والمخلفات الصلبة.
وبعد جرده ل 20 طريقة وتقنية لمعالجة المرجان جلها تقليدية وبدائية، اقترح المخطط المديري لوكالة الحوض المائي أم الربيع تقنيات حديثة وفعالة للحد من مخاطر المرجان وتدبير نفاياته لشكل فعال. ومن هذه التقنيات التبخر الطبيعي وسط الأحواض واستعمال المخصبات واعتماد التجفيف والتبخر بالقوة عبر التركيز الحراري وعملية الحرق أو التصفية بطريقة دقيقة واعتماد طرق بيولوجية وفزيائية وكميائية حديثة للمعالجة والتصفية. كما أن ما سيتبقى من هذه النفايات، بعد عملية فرز واستبعاد كل المواد السامة والملوثة، سوف يستغل كأسمدة، ذات جودة عالية في إنتاج الحبوب والذرة وغيرها من الزراعات، فضلا عن استعمالها أيضا في تنمية أغراس شجرة الزيتون ذاتها.
ومن أجل تفعيل مضامين المخطط المديري، تم اقتراح إجراءات منها على المدى القريب، القيام بحملات تحسيسية بالمعاصر التقليدية خصوصا بإقليم أزيلال وإنشاء تجربة نموذجية بذات الإقليم على مستوى دائرة دمنات.
أما بالنسبة للوحدات الصناعية فقد تم اقتراح إحداث نظم لمحاربة التلوث الناجم عن الوحدات الصناعية بإقليم قلعة السراغنة من أجل التخلص من 51 في المائة من النفايات والعمل على تشجيع خلق جمعيات وتعاونيات لتسهيل تطبيق المخطط المديري للوكالة.