السنة طويت، ولا نقول توفيت، لأن الموت ينظر إليه من زاويتين : لفظ النفس الأخير، ووفاة آخر إنسان يذكر المتوفى قبله، كان أما أو أبا أو جدا أو عما، وقد يظل حيا لا يموت، ويتساوى في ذلك العظماء والطغاة ممن تحتفظ الخزانات التقليدية والإلكترونية بقصصهم أو إنجازاتهم، بغض النظر عن التحريف أو الزيادة والنقصان التي قد تطالها.
يمضي بنا العمر وتنسل منا الأيام والشهور، ومع ذلك نقول رحل عنا عام انقضى وانتهى.. وحل عام جديد، وندون رحيل القديم ونحتفل بالجديد، مع أن القديم يظل حيا، البعض يرفع في وجهه شعار “سلك”، وآخرون لا يفكون عن لطم الخدود وجز النواصي جراء بوار تجارتهم المسجلة في العام الماضي وبلوغهم حالة الإفلاس مع حلول العام الجديد، وحدهم المستفيدون من بركة القديم يحتفلون ببلوغ مطمحهم في تكديس الأموال بالحكمة أو الشطارة أو السعي الهادئ، وكثيرون يطلقون العام الماضي مع دفع مؤخر الصداق، سواء انحل بالنسبة إليهم عقد الزواج بالوفاة أو الفسخ أو الخلع أو التطليق.
ففي حالة الوفاة، لا يكون بإمكانهم أن يثبتوا للمحكمة أن المفقود لم يعد باق على قيد الحياة. فلا الكشف البنكي يؤكد أنهم تخلصوا من الديون ولا المحافظة العقارية منحتهم وثيقة تملك قبر الحياة بصفة نهائية. وكذلك الشأن بالنسبة لطائفة من الناس لجأوا إلى طلاق الخلع أو الطلاق الاتفاقي، لأنهم لم يستطيعوا التحرر من الآثار المترتبة عن زواجهم بالحياة منذ الولادة، فبالأحرى العام الماضي، وهو ما يدفع بعضهم إلى اللجوء إلى الانتحار، باعتباره شكلا من أشكال طلاق الخلع الذي لا يحتاج إلى شهادة عدول أو تعليل أو حجج ودفوعات ويعفي صاحبه أيضا من شروط تقسيم الممتلكات….
كما أنه من الناذر أن يعلن إنسان مطوق بإرث السنة القديمة طلاقها، حتى وإن احتفل من باب التقليد بالسنة الجديدة. لكن يحدث أحيانا أن يطلق زوجته بدل العام القديم، إن لم تغفر له رفيقة العمر الاحتفال في غيبتها، وبدل أن يطيب خاطرها، يطل عليها من عتبة البيت متمايلا، نشوانا، سكرانا، سكرا بينا، فتستقبله بغضب لأنه لم يترك لها مصروف البيت وضمنه حليب طفل لم يتجاوز عامه الأول، تجادله بحدة وتهدده بأنها ستترك البيت والطفل، فيصيح في وجهها وهو يحلف بيمين الله أنت حرام علي. لكن حين يعرض الملف على المحكمة، فإنها لا تقبل منه الإذن بالطلاق معتبرة أنها ليست حرام عليه حتى وإن أقسم باليمين، لأنه كان في حالة سكر طافح، فضلا عن كونه كان غضبانا، تبعا لمدونة الأسرة.
وهكذا يعود الرجل إلى زوجته يطايبها ويداعبها ويحتفلان معا بالعام الجديد وبعيد ميلاد الطفل، وبطفل تحمله في الأحشاء ستنضاف مستلزماته خلال منتصف السنة، وستترتب عنه آثار بعد انتهائها، آثار يصاحبها أنين وجَلد للذات، وتمضية نفائِسِ الأوقات في الثكل على نَوَائِبِ الدّهرِ، مادا يديه كباقي المتعبين لمشانق القروض، وأمله في ضربة حظ تعفيه من تعب السنين، تجلب له السعادة وتبعد عنه الكرب، وتجعل لسانه طليقا غير متلعثم في قول “كل سنة وأنا بخير” وقد يتواضع لله فيقول كل سنة وأنتم…، المقصود طبعا زوجته القديمة وزوجته الجديدة.