جميعنا نتذكر “اعطيني صاكي بغيت نماكي”. فليكن لزينة ما تريد. لكن حذار، فالكذب سيعلو الرموش، والعدسات الاصطناعية ستذوب في عز الحر. الأنف “ما ينقط”، والحاجبان “جوج من الفوق”، والزمان “واحد من لتحت”، فهل بإمكان صباغة العطار أن تعيد للوجه الهرم نظارته ؟
الكل سمع ويتذكر استعطاف المغنية الشعبية وشكواها. فهي لا تريد إلا حقيبتها لتتجمل، فليكن لها ما تريد، ولتمحو عن وجهها ما فعلته فيه الأعوام، إنه مطلب مشروع. الكل يطمح إلى رشاقة في القد وعينان تبدوان وكأنهما نقطة عسل، صهباء تحت خيوط من الضوء تعيد لها الهالة.
كثيرون يبحثون عن هالة وليس فقط زينة الداودية. ففي عمر هذه اللحظة من تاريخ مجتمعنا، حتى الشوارع صارت تتطهر وتتزين، وتتصالح الحدائق مع عشق ألوانها، وتلبس المسالك المتعرجة أعمدة من نور، وتطهى الوجبات على نار هادئة للاحتفال بما تبقى من أيام سنة ولت . الكثيرون يرددون اليوم “اعطيني صاكي بغيت نماكي”، ويدخلون في شد وجدب مع مستشاريهم ومعارضيهم والآمرين بالصرف، لكي يحصلوا على ما تبقى في الحقيبة.
ألا يستحق سباق الذئاب السياسية برنامجا لمواهبهم على قنواتنا العمومية ؟ فسيكون أفضل بكثير من برنامج “جزيرة الكنز” أو “استوديو دوزيم” الذي حكم عليه بالموت.
“مواهب الذئاب السياسية”، هو صنف ينتمي إلى برنامج الواقع، أو هكذا كما نتصوره. سيتتبع مسار شخوص وتحولاتها بين الأمس واليوم. كيف كانت ربنا خلقتنا وأصبحت في عداد المليونيرات. وسيكشف البرنامج في هذا الباب عن دهائها السياسي، وسيدخل إلى قلاعها المحصنة لمعرفة خيوط علاقاتها الأفقية والعمودية، وكيف استطاعت أن تحجز لها مقعدا في الصفوف الأمامية للأعيان القدامى والجدد، وكيف اكتسبت الهالة و”الزعامة”، بتسكين حرف “الزاء”. يستوي في ذلك الذين يعلمون والذين لا يعلمون.
ونحن نتحدث عن تساوي العارف والجاهل في هذا الباب لاعتبار وحيد، هو أن الأخلاق تقود إلى المعرفة، في حين أن المعرفة لا تشكل ضامناً أخلاقياً، حتى لو كانت معرفة عالية، محوّطة بالشهادات والألقاب. فليس في الثقافة ذلك النور المنسوب إليها كما يقول الكاتب الفلسطيني فيصل دراج، ولا في التحصيل الجامعي ذلك الألق المتوهم، وليس في الثقافة سرّ أو ما هو قريب من الأسرار. ذلك أنّ الثقافة، في التحديد الأخير ماثلة في التعامل الأخلاقي مع البشر والحياة..
لا تفعل الثقافة في مجالها بشكل صحيح إلا إذا اتّكأت على وعي سياسي صحيح والعكس صحيح وضروري. فالفن الرديء، الذي يروّج له الصغار في حياتنا الآن من أمثال زينة الداودية، تحت أي شعار كان. لا يقل ضرراً عن الخطابات السياسية الرديئة. التي هي تتويج لتصورات كبار لهم وعي صغير.
إنها “ثقافة الفقر والفاقة الأنيقة”
و”الله يحد الباس”