إعداد: محمد البصيري
تفرز أجسامنا بشكل طبيعي هرمونا مسؤولا عن زيادة الفرح والتخلص من الألم، ويعرف بهرمون الاندورفين. وهو عبارة عن ماده كيميائيه تعمل بمثابة مسكن طبيعي، كما أنه هو المسؤول عن الشعور بالبهجة والفرح، لذا يطلق عليه هرمون السعادة. وعندما ينطلق الأندورفين في أجسامنا يبدأ بتوفير جرعات تقلل من الألم الجسدي وتزيد من حب الشخص للحياة. فإذا كنت تبحث عن السعادة فابحث عن ما يعزز ويثير إفراز هذا الهرمون، حيث توجد العديد من الطرق لذلك ومن أنجعها ممارسة النشاط الرياضي بانتظام واعتدال. وقد تم اكتشاف هرمون الإندورفين فى عام 1975م من طرف العالمين (دجون هوكيس و هانس كوستيرليتز) خلال قيامهما بأبحاث على دماغ فئران تجارب، وهو يعد من أهم مسكنات الألم التى تفرز طبيعيا بجسم الإنسان.
ما هو هرمون الأندورفين؟
هو هرمون يفرزه الجهاز العصبي للإنسان والحيوان، ويشكل مع المواد الكيميائية المماثلة له أو القريبة منه والتي تدعى “بالإنسفالين” جزءا من مجموعة كبيرة من مركبات شبيهة بالمورفين وتسمى “أوبيويدات “. وتساعد الأوبيويدات على تخفيف الآلام وتعطي شعورا بالراحة والإنتشاء. ويعتقد العلماء أن الإندورفين والإنسفالين يتحكمان في قدرة الدماغ على الاستقبال والاستجابة والإحساس بالألم أو الإجهاد. ويمكن أن تشكل جزءا من نظام تسكين الألم في الجسم.
وقد اكتشف العلماء أصنافاً متعددة من الإندورفين والإنسفالين معظمها مكونة من الببتيدات، وهي سلاسل من الأحماض الأمينية. ويعتبر “إندورفين ـ بيتا” من أكثر الأوبيويدات التي تمت دراستها بتوسع. ويوجد مثل هذا النوع من الإندورفين في الدماغ وفي الغدة النخامية، وهي غدة صغيرة توجد أسفل قاعدة الدماغ. ويوجد إندورفين ـ بيتا وهورمون آخر وهو الهرمون الموجه لمقاومة الكظر، حيث تفرز هذه الهورمونات كرد فعل أو كاستجابة منسقة من الجسم عند تعرضه للألم أو الإجهاد.
يقول الدكتور” ألن هيرش”، مدير مركز الأعصاب في مؤسسة الشم والتذوق للبحوث العلمية في شيكاغو، “ينتج الدماغ مادة تسمى الإندورفين وهي مسؤولة عن تخفيض الألم. وتعرف هذه المادة باسم قناع الغبطة. وتقوم المخدرات مثل المورفين، والهيروين، والكوكايين بحث الدماغ على إفراز الإندورفين للحصول على ذات النتيجة الطبيعية، ولكن لماذا نلجئ للمخدرات السامة بينما نستطيع حثّ دماغنا على الشعور بالسعادة والاسترخاء”
فعند إفراز الإندورفين من خلايا الدماغ أو من الغدة النخامية، فإنه يرتبط بمستقبلات الألم فى الدماغ، وبالتالى يخفف الشعور بالألم، بالطريقة نفسها التى تعمل بها بعض الأدوية المسكنة للألم (المخدرة) كالمورفين والكودين، إلا أن الإندورفين الذى يفرز طبيعيا من الجسم لا يؤدى إلى الإدمان كما هو الحال مع الأدوية المخدرة المصنعة كيميائيا.
وتؤكد الأبحاث العلمية أنه يوجد حاليا أكثر من عشرين نوعاً من الإندورفين قد تم التعرف عليها، إلا أن بيتا إندورفين يعد أكثرها قوة وفعالية، وهو يتكون من سلسلة طويلة من الأحماض الأمينية (ثلاثين حمضاً أمينياً). يُفرَز الإندورفين استجابة لكل من الإجهاد والألم، ويتمثل عمل الإندورفين فى تخفيف الشعور بالألم، وخفض الإجهاد، وتعزيز الجهاز المناعى، كما أن من تأثيرات إفراز الإندورفين تحسن المزاج لدى الشخص والشعور بالسرور والسعادة.
النشاط الرياضي والشعور بالمتعة والسعادة
تؤثر ممارسة الرياضة والحركة على مستوى هرمون الأندورفين في الجسم ونشعر بذلك عند انتهائنا من ممارسة النشاط الرياضي، مثل الركض والسباحة واستعمال الدراجة الهوائية وغيرها بنوع من الإنتشاء. ويعود شعورنا عندئذ بالارتياح والاستجمام إلى أن الجسم يتخلص من الإجهاد النفسي والعضلي ويعمل على توازن مستويات الهرمونات في الجسم، ويزيد إفراز الأندورافين. فنشعر بالراحة والهدوء، ويستطيع الإنسان مقاومة إجهاد جديد. كل هذه التأثيرات الإيجابية على الجسم تجعل من الرياضة والحركة من الأشياء المحبذة لحياتنا لكن بدون إجهاد أو إرهاق.
وفي هذا الصدد أفادت دراسة أمريكية حديثة أن ممارسة الرياضة تزيد من إفراز المخ لهرمونات السعادة مثل الدوبامين و الأندروفين بعد 10 دقائق فقط من ممارسة التمرينات وترفع من الروح المعنوية كثيرا، وتؤدي إلى الشعور بفرق واضح في حالتك المزاجية وأفضل النتائج تظهر بعد 20 دقيقة.
ووفق دراسة أخرى بجامعة دوك بكالورينا الشمالية فإنه يجب ممارسة الرياضة بانتظام، فبعد إجراء أبحاث حول بعض الأشخاص الذين يعانون من الإكتئاب تبين أن %60 من الذين مارسوا الرياضة لمدة 30 دقيقة ثلاث مرات أسبوعيا تغلبوا علي الاكتئاب بدون تعاطي أي عقاقير، و تحسنت حالتهم النفسية أفضل من الأشخاص الذين تعاطوا عقاقير مضادة للإكتئاب.
وقد أفادت دراسة طبية تشيكية حديثة أن ممارسة رياضة الركض تؤدي إلى تحرير هرمون إيندورفين الذي يقال عنه بأنه هرمون السعادة في الجسم، ولهذا تتم ممارسة هذه الرياضة ليس فقط من أجل تجنب الجلطات القلبية وإنما لأنها تحقق المتعة. وأوضحت الدراسة ذاتها أن “الركض يساعد أيضا في تخفيف التوتر ويبعد القلق لأن العداء يقوم خلال الركض بتنظيف رأسه من الهموم وبالتالي يصبح محصنا نفسيا بشكل أفضل”. وللركض تأثيرات نفسية متعددة، فهو يزيد من شعورنا بالراحة و السعادة، و هناك دراسات تقول أن الأشخاص الذين يمارسون الركض أكثر شعورا بالنشوة و السعادة من أولئك الذين يقومون بأي رياضة أخرى، حتى و لو قاموا بحرق نفس العدد من السعرات الحرارية، أو نفس المدة الزمنية من المجهوذ، و يعود ذلك إلى أن الجري يطلق هرمون الأندورفين بكميات وافرة في الدم، و من المعروف أن هذا الهرمون مسؤول عن شعورنا بالراحة و النشوة، و الجري من الرياضات القليلة التي تساعد في عملية إفرازه في الدم.
ويفرز الإندورفين استجابة للجهد البدني الهوائي المعتدل الشدة الذي يدوم 20دقيقة فأكثر، وقد يفرز في حالة الجهد البدني الأقل شدة إذا استمر الجهد لفترة طويلة. أما أثناء الجهد البدني العنيف الذي لا يدوم إلا لفترة وجيزة، كعدو المسافات القصيرة أو رفع الأثقال، فلا يعتقد أن تركيزه في الدم يتغير بشكل محسوس مقارنة بحالة الراحة.
ويؤكد بعض المختصين في أمراض النساء والولادة، أن الرياضة تساعد على زيادة إفراز هرمون السعادة (الأندورفين)، وبالتالي فهي علاج مفيد لحالات اكتئاب ما بعد الولادة التي تصيب نسبة من الأمهات الجدد. كما أن من أعراض اكتئاب ما بعد الولادة القلق، الحزن، الإرهاق، التوتر، الخوف، عدم انتظام النوم والأرق. وتشير الكثير من الأبحاث التي تناولت الفوائد النفسية لممارسة التمارين الرياضية وتأثيرها الإيجابى في مشاعر الاكتئاب والإرهاق والتوتر. ويمكن تفسير التأثير المهدئ للتمارين بأنها تساعد على الإسراع من تخلص الجسم من المواد السامة، ويمكن قياس انخفاض القلق من خلال مراقبة هبوط ضغط الدم وخفقان القلب وسرعة التنفس وإفراز هرمونين في البول، هما (الأدرينالين والنور أدرينالين) .
وينصح عدد من المهتمين بهذا المجال أنه من الأفضل تجنب قاعات الرياضة في المساء. فالضوء الساطع والموسيقى الصاخبة لا يؤمنان الظروف الملائمة للإسترخاء، بل يؤديان إلى تعطيل الإيقاع البيولوجي عن طريق إرسال إشارات الإثارة للجسم. فضلا عن ذلك، تزيد الرياضة في المساء من درجة الحرارة الداخلية، مما يجعل عملية النوم أكثر صعوبة لذلك فهي مستحبة فقط خلال النهار.