التاريخ هو منتصف شهر يناير من سنة 2018 و المناسبة هي إقدام مجموعة من المواطنين على إغلاق المجرى المائي المسمّى “الصّفاية” عند ملتقى الطريق الإقليمية 3228 الرّابطة بين مدينة سوق السّبت أولاد النمّة و جماعة حد بوموسى التّرابيّة، و الطّريق الإقليمية 3105 الرّابطة بين مدينة أولاد عياد و جماعة دارو لد زيدوح التّرابيّة و بالضبط عند ما يسمّى محليا “درديفات” أو” ضوضان”، تمّ إغلاقه و المرابطة إلى جانبه ليل نهار إلى أجل لا يبدو أن أحدا يستطيع أن يسمّيه أو يتنبّأ بما سينتهي إليه.
هذا المجرى الذي لم يعد نعمة كما كان غداة إنشائه؛ بل أصبح نقمة لا يحمل في بطنه إلّا السّوء والغبن و الهمّ و الظّلم و الحزن و الخنز، يحمل كلّ ذلك إلى نهر أمّ الرّبيع داخل تراب جماعة دار ولد زيدوح بعد أن يُحدث ضررا و إزعاجا لسكّان القرى المجاورة له على طول أربعة عشر كيلومتر، هذا الضّرر لا يتصوّره إلّا من يعيش في جوار “الصفّاية” ليل نهار و في كلّ شهور السّنة ، و لا يقدّره غير من في عقله ذرّة معرفة بالبيئة و ملوثاتها بعيدا عن لغة الخشب و بعيدا عن لغة السيّاسة الانتخابيّة و سيّاسة المحاباة و المجاملات الزّرقاء و الصّفراء، و من في قلبه ذرّة إيمان بأنّ المواطن المحلّي في بيئته يستحقّ أن يعامل كمواطن له حقوق معلّقة في أعناق المسؤولين على الصّعيد المحلّي و الإقليمي و الجهوي و المركزي سواء منهم المنتخبين أو المعيّنين، السّابقين أو الحاليين.
و يبدو أنّ هذه “الصفّاية” لم تعد ملكيّة خاصة بوزارة الفلاحة التي أنشأتها خلال بداية المنتصف الثّاني من القرن الماضي من أجل تصريف مياه الأمطار و الفائض من مياه السّقي ، بل أصبحت ملكا مشتركا بين هذه الوزارة، و الوحدة الصّناعيّة التي تستعملها للتخلّص من المياه العادمة خلال موسم الشّمندر، و بلدية أولاد عيّاد التي شقّت قنوات الواد الحار و بدل بناء محطّة للتّصفيّة اختارت الحلّ الأسهل الذي هو إلقاء المياه العادمة في هذا المجرى ، و كذلك أصبح لبعض السكّان و الفلّاحة و مربّي المواشي و الدّجاج نصيبا فيه حيث يستعملونه لرمي الأزبال و خاصّة ما نفق من البغال و الحمير و الأبقار و الدّجاج و الكلاب.
و لا تعتبر هذه المبادرة الأولى من نوعها حيث سبق لبعض المواطنين أن قاموا بإغلاق “الصفّاية” من قبل عند نقطة تقاطعها مع الطّريق الإقليميّة 3224الرّابطة بين جماعة دار ولد زيدوح و جماعة حد بوموسى خلال أحد مواسم الشّمندر، كما تجدر الإشارة إلى أنّ هذه “الصفّاية” المشؤومة و على مدى سنوات أسالت الكثير من مداد الصّحف الورقيّة و الإلكترونيّة و المواقع الاجتماعيّة، و أثارت احتجاجات متكرّرة للسّاكنة ، كما كانت موضوع اجتماع بمقرّ الجماعة القرويّة لممثلي السكّان و المجتمع المدني ، و ممثلين عن الأطراف المعنيّة بمن فيهم من يمثّل معمل السكّر، و ذلك بحضور السّادة رئيس الدائرة و قائد قيّادة دار ولد زيدوح، و رئيس مركز الدرك الملكي و رئيس المجلس القروي بدار ولد زيدوح يوم 09-12-2015 ، و هو الاجتماع الثاني من نوعه خلال تلك السنة حيث تمّ الأوّل يوم 28-04-2015 بمقر الدائرة، كما كان موضوع مراسلة موجّهة إلى الدكتور عبد القادر عمارة وزير الطّاقة و المعادن و الماء و البيئة، من طرف جمعية الأمل للتنمية والمحافظة على البيئة، و جمعية البام للإصلاح و التنمية و البيئة بدار ولد زيدوح بتاريخ 12-12- 2015، و قد توصّلت على إثر ذلك الجمعيتان بتاريخ 8 أبريل 2016 برسالة من السيّد المفتش العام للوزارة المنتدبة لدى وزير الطاقة و المعادن و الماء و البيئة المكلفة بالماء مؤرّخة في 4 مارس 2016 ، و على الرّغم من أن ذلك الجواب من حيث الشكل يعتبر تفاعلا للوزارة مع جمعيات المجتمع المدني؛ إلّا أنّه لم يأت بجديد يستحقّ الذكر، كما لم تسفر الاجتماعات المحليّة و الإقليميّة عن تحقيق الأهداف المسطّرة لها ، و الخلاصة هي أنّ التلوّث بدار ولد زيدوح كُتب عليه أن يبقى على ما هو عليه إلى أجل غير مسمّى .
لاشكّ أنّ رسالة اعتصام يناير 2018 وصلت إلى من يهمّه الأمر كما وصلت الرّسائل السّابقة، فهل سيكون الجواب فارغا مثل الأجوبة السّابقة؟ و قد يقول قائل و يجادل مجادل في مضمون و مدى فاعليّة عمليّة إغلاق “الصّفاية” في رفع الضّرر الذي يمسّ المواطنين في بيئتهم و صحّتهم و صحّة أبنائهم و عجائزهم طيلة عشرات السّنين، و لكن و من حيث الشّكل و بكلّ بساطة يجب أن نعلم أنّه حين يعيل صبر المواطن و يغلق المسؤولون باب الحوار و الأخذ و الردّ، و يخلفون الوعود التي أخذوها على أنفسهم من قبل، و يفرضون الأمر الواقع عليه على الرّغم من أنّ هذا الواقع لا يقبله العقل و لا يقبله القانون و لا تقبله روح المواطنة و لا تقبله روح الإنسانيّة، و مع العلم أنّه عبّر بكلّ الطّرق المتاحة لرفضه و عدم رضاه و عبّر عن الضّرر الذي أصابه و يصيبه خلال مسلسل طويل؛ فإنّ هؤلاء المسؤولين يدفعونه بهذه اللامبالاة إلى التّعبير بطرق قد تعتبر مخالفة للقانون فقط ليلفت الأنظار و الأسماع إلى قضيّته، فبعد ذلك إن كان لابدّ من المحاسبة فيجب أن يحاسب الجميع و لا تقتصر على المواطن(الحيط القصير) وأن لا تشمل فقط الحلقة الأخيرة من المسلسل.
وصلت الرّسالة ولكن و على الرّغم من ذلك، لابدّ من التّفكير في قنوات و مسالك أخرى موازية للنّضال من أجل قضيّة عادلة مستحِقّة و مستحَقّة رغم زمانتها كهذه القضيّة التي تمسّ الصحّة و الإنسان و البيئة، و يعتبر القضاء من بين الأبواب التي يجب طرقها بيد المشتغلين بالعدالة من المحامين و غيرهم من أبناء المنطقة و من أصدقائهم، و من الجمعيات المحليّة و الوطنيّة خاصّة المهتمّة بالبيئة و الصحّة و حقوق الإنسان، و من المجالس التّرابيّة التي من حقّها الدّفاع عن بيئة مجالها التّرابي و صحّة ساكنيه.