إعداد: محمد البصيري
أهمية النشاط الرياضي المعتدل لمقاومة الأرق(l’insomnie)
يشكل الأرق(l’insomnie) عائقا للخلود للنوم بسهولة، ويتسبب كذلك في تقطع النوم ورداءة جودته. ويعاني منه الملايين حول العالم، وتصل نسبة الإصابة به بين 10 و19 في المائة من سكان العالم، نتيجة المعاناة من مشكلات عضوية، وسلوكية ونفسية كثيرة.
ويتحدث المختصون في هذا المجال عن الأرق السلوكي المزمن، وهو نوع من أرق النوم يرتبط بزيادة التوتر وفرط التفكير، نتيجة أزمة نفسية، أو مشكلة عائلية أو اجتماعية طارئة، قد تسبب أرقا حادا ورداءة في النوم لعدة أيام، إلا أنه سرعان ما يسيطر على الإنسان الخوف من عدم القدرة على النوم السليم، ويغلب عليه التفكير المؤرق و شعوره بالتعب والخمول أثناء النهار، على الرغم من انتهاء آثار المشكلة المؤقتة على حالته النفسية، وهذا سبب تسمية هذا النوع من الأرق بالمزمن “المكتسب”.
ومن أجل التحفيز على النوم، يعتاد الإنسان على بعض السلوكيات الخاطئة كإجهاد الدهن في محاولة النوم، ومتابعة عقارب الساعة، والتدخين، وتناول المنبهات، مما يزيد من صعوبة الاسترخاء ويرفع درجة التوتر ويفاقم من حدة الأرق، فيجد بذلك الشخص نفسه في حلقة مفرغة من الأرق والتوتر المزمنين. ويؤدي تكرار ذلك إلى الحرمان المزمن من النوم، والشعور بالخمول والنعاس وقلة التركيز أثناء النهار، وسوء المزاج، وحتى الاكتئاب في بعض الأحيان، مما ينعكس سلبا على التحصيل الدراسي والمهني وعلاقة الشخص بأفراد عائلته وبمحيطه. ويصيب هذا النوع من الأرق وفق العديد من المختصين 1 إلى 2 في المائة من الأفراد في المجتمع – أغلبهم من النساء متوسطات الأعمار – وهو يمثل نسبة 10 إلى 15 في المائة من الحالات التي تعالج في مراكز اضطرابات النوم.
التمارين الأيروبيكية المعتدلة وصفة علاجية
أبرزت العديد من الأبحاث الطبية فوائد النشاط البدني المعتدل(modéré) في التخفيف من حدة الأرق. وفي هذا الصدد أكد أطباء سويسريون أن ممارسة الرياضة بصورة منتظمة ومعتدلة، تعد خطوة مهمة لمحاربة ظاهرة الأرق، لا سيما لدى المسنين. فبالإضافة الى تحسين نوعية النوم لديهم، يستفيد المصابين بالأرق من ممارسة النشاط الرياضي من تحسين مزاجهم اليومي وحيويتهم الاجتماعية. كما يساهم النشاط البدني في إطالة ساعات النوم العميق. ما ينعكس إيجابا على الصحة الجسدية والذهنية.
فمن الناحية العضوية، فان ممارسة النشاط الرياضي تساهم في تعزيز الآلية الأيضية(métabolisme) بالجسم. كما أنها تلعب دورا في تخفيف الوزن. مما يساعد على تحسن نوعية النوم وتجنب الشخص النوم المتقطع، الذي يسبب الأرق بدوره.
ويشير الأطباء الى أن ممارسة الرياضة لها مفعول نفسي واضح جدا. فالشعور بالاسترخاء وراحة النفس، بعد ممارسة الرياضة، يساعد في رفع درجة المزاج والحيوية ناهيك من تخفيف أعراض الأرق. ويذكر أيضا أن الاكتئاب من بين أبرز الأسباب التي تمهد للاصابة بالأرق.
وينصح أطباء من مستشفى جنيف، بممارسة الرياضة في أوقات النهار لا الليل لاعتبارأن المرحلة التي تستبق النوم، تصاب باضطراب من جراء ارتفاع درجة حرارة الجسم. وتتزامن مرحلة الدخول في النوم مع تراجع درجة حرارة الجسم.
من جانبها، أكدت دراسة حديثة أن ممارسة التمارين الرياضية تؤدي إلي تقليل الشعور بالأرق المزمن، حيث أظهرت الدراسة أملا جديدا في وسائل علاج الأرق عن طريق انخراط المصابين، في برنامج علاجي يعتمد علي التمارين الرياضية. ففي خضم المعاناة من الأرق المزمن يعتمد كثير من المصابين به علي العلاج الدوائي والذي يتعود المريض عليه بمرور الوقت مثل مضادات الهستامين أو الحبوب المنومة والمهدئة والتي تفقد فاعليتها بمرور الوقت ويهملون العلاجات السلوكية التي أثبتت تقدم في عدم الشعور بالأرق علي فترات متباعدة. وقد أجريت هذه الدراسة علي مجموعتين ممن يشعرون بالأرق المزمن وتم تطبيق العلاج بالتمارين الرياضية على واحدة وعلي العلاج الدوائي والسلوكي والصحي بالنسبة للأخرى، مع الالتزام بالتمارين 3 مرات أسبوعيا بمعدل نصف ساعة كل حصة، مع قياس عدد ساعات النوم، ودرجة النوم أو الخمول أثناء النهار.
وكانت نتيجة الدراسة، هي زيادة عدد ساعات النوم للمجموعة الأولي من 20 إلى 50 ساعة أسبوعيا إضافة الى سرعة الاستجابة لنظام النوم والاستيقاظ. إلا أن الباحثين لفتوا النظر إلي وجوب تجنب التمارين القاسية أو المجهدة قريبا من موعد النوم حيث إن الأثر الإيجابي للدراسة كان نتيجة لممارسة تمرينات رياضية بصورة خفيفة إلى متوسطة قبل النوم بعدة ساعات(أنشطة أيروبيكية تعتمد على استهلاك الأوكسجين للحصول على الطاقة اللازمة للحركات كالمشي والهرولة الخفيفة والدراجة الهوائية مثلا، بالإضافة إلى حركات الإسترخاء و التنفس العميق) لتجنب الأثر المنشط لفرط إفراز هرمونات التوترعلى طبيعة النوم.