قراءة لرواية “المغاربة” للكاتب عبد الكريم الجويطي بقصبة تادلة بعنوان ” الحوار بين المرئي و اللامرئي في رواية المغاربة..هل الرؤية البازوفية قدر؟”

قراءة لرواية “المغاربة” للكاتب عبد الكريم الجويطي بقصبة تادلة بعنوان ” الحوار بين المرئي و اللامرئي في رواية المغاربة..هل الرؤية البازوفية قدر؟”
قصبة تادلة: محمد البصيري

 

في اطار الاحتفال باليوم العالمي للكتاب و حقوق المؤلف و اليوم الوطني للقراءة، وتحت اشراف مديرية الكتاب و الخزانات و المحفوظات بوزارة الثقافة و المديرية الجهوية للثقافة و بتنسيق مع جمعية المدينة العتيقة للتنمية و الثقافة بقصبة تادلة، نظمت مكتبة أبي العباس احمد الجيراوي لقاء فكريا مع الروائي عبد الكريم جويطي الحائز على جائزة المغرب في السرديات و المحكيات عن روايته ” المغاربة”. و بعد الترحيب بالكاتب و الروائي عبد الكريم جويطي و بالحضور، قدم الاستاذ نور الدين بلفقير قراءة لرواية المغاربة بعنوان ” الحوار المرئي و اللامرئي في رواية المغاربة..هل الرؤية البازوفية قدر؟”

 

أوضح نورالدين بالفقير أستاذ مادة الفلسفة من خلال
هذه القراءة أن الرواية هي رؤية ما للواقع المغربي من بين رؤى أخرى قابلة لأن تناقش ، و لا تتميزُ بالإطلاق إذْ كل شيء نسبي ، و قراءتهُ هو نفسه ( الأستاذ نورالدين ) أكد على أنها أيضا رؤية من بين رؤى أخرى للواقع كما جاء في الرواية ..لكن هذا الواقع سواء جاء في الرواية أو وقع فعلا أو تم النظرُ إليه بعين القارئ فهو ليس بالضرورة موضوعيا كما رأيناهُ بل هُو خاضع للامرئي الذي يحركنا و يتعلقُ الأمر بالعواطف و الوجدان و ما ترسب في أذهاننا من إرث التاريخ و التراث . و حاولَ الأستاذ نورالدين أن يبينَ في كل الرواية ، مواطن الحوار بين هذا المرئي و اللامرئي ، حيثُ العمى و سبب العمى الحقيقي الذي لم نلتفت له ، و البؤس ، و الفقر كما يرى ، ثم ما سبببُ الفقر حقا مثلما لم نلتفتْ له أو مثلما هو مخفي ، و سبب موت جد السارد بين ما يحكيه أهل القبيلة و بين السبب الحقيقي الذي يتعلقُ بقطيعة وجدانية مع الأرض و التربة و الماء ، بعد اجتياح الاسمنت لأرضه من أجل تجزئة سكنية …يظهرُ اللامرئي أيضا في ما يجعل التاريخ يسمحُ لقواد و باشوات بالاستمرار في السلطة رغم التناقضات الصارخة في السلوك و ممارسة السلطة ، فيكونُ الجوابُ هُو سؤال ينبغي أن يطرحَ ، لمعرفة المخفي و اللامرئي الذي يمكنُ أن يحل إشكالية هذا التناقض ، فالأمرُ اجتماعي وسياسي وواقعٌ فعلاً ، و مادامَ كذلك فلاشكّ أن لهُ تفسيراً معينا أو على الأقل فهما معينا …نحتاجُ إلى البحث ..لتقريب المتباعد و تبديد التناقض ، أو تغيير ما ينبغي تغييره ..و بعد الاستفاضة في هذه النقطة ، مر الأستاذ نورالدين إلى أن السارد قد تبنى الصراحة و الوضوح في أغلب تشخيصاته لكل الوقائع وَالأحداث الواردة في الرواية ..و هذه الصراحة التي لا تتسللُ إليها المجاملة أخذها دونَ وعيٍ منه ..من إحدى الشخصيات في الفصل الرابع من الرواية ، اسمهُ ” بازوف” . فبعدَ توقف الأستاذ نورالدين عندَ تصور هذه الشخصية للحياة ، من خلال بيداغوجيا الخسارة ، و توضيح الكارثة القادمة من خلال رسم العين- للعسكري أخ السارد ، على شكل بحيرة و توضيح أن الروافد التي قد تجف ستردي إلى جفاف البحيرة ..
لم يتورعْ في تقديم هذا التشخيص ببرودة قاتلة ، و حين سئل عن الحل ..أجاب بأنه الصلاة و الدعاء ..هاهنا يذهبُ…يوضحُ الأستاذ نورالدين من خلال هذا الحوار بأن السارد كرهَ بازوف لكنهُ عشقَ هذه الرؤية البازوفية للحياة التي تشخص بكل وضوح دون مجاملات …
لمْ يُعبر عن هذا العشق صراحةً أي لحظةٍ من لحظات الرواية لكنهُ تبنى الرؤية البازوفية دون وعي منه ..فصارت هي سيدةُ وصف علاقة السلطة بالمواطنين ، و علاقة الأفراد فيما بينهم في الحب و المعاملات ، في العمل ، في التفكير في الخيال ..في علاقتهم بالدين و التاريخ ، و في علاقتهم بالصوفية ..
في الختام ذكر الأستاذ نورالد نورالدين أن الرواية تحتاجُ إلى قراءات متعددة ، فهي حاولت أن تكون جامعةً حيث نجد انفتاحها على التاريخ و الحاضر ، و الآداب و الأدباء ، و الفكر ، و على الأجناس الأأدبية المختلفة ضمنيا ( القصة القصيرة ، الحكاية ، الشعر ..).
بعد ذلك اعطيت الكلمة للكاتب الروائي عبد الكريم جويطي الذي استهلها بابداء اعجابه بمداخلة الاستاذ نور الدين بلفقير و إثارته لفصل صغير من الرواية الذي لم تنتبه له العشرات من المقالات و الدراسات، و هو الفصل الذي رافق فيه العسكري اخوه المهدد بالعمى عند طبيب روماني المسمى بازوف و هو شخصية حقيبية و الذي قال ان العالم لم يصنعه الاقوياء، بل صنعه المرضى و العاجزون، المحبطون و المعذبون. الاقوياء صنعوا الحروب فقط. و استشهذ جويطي بالعالم الفزيائي اديسون الذي كان شبه مصاب بالصمم و اعتقد مدرسوه انه متخلف عقليا و تم طرده بشكل مؤذب من المدرسة لتتكفل أمه بتدريسه. لكن عبقرية اديسون المشكوك في قدراته العقلية جعلتنا جميعا نبصر في الليل بسبب اختراعه لنور الكهرباء. العباقرة الذين صنعوا الحضارة البشرية يضيف جويطي كانوا غير عاديين و يعانون من مشاكل صحية و شكك في قدراتهم العقلية، و قس على ذلك بالنسبة لآنشتاين الذي لعبت زوجته دورا كبيرا في ترتيب جميع امور حياته.
و استطرد الكاتب جويطي قائلا ” العديد من الاسئلة تطرح عندما تريد ان تكتب رواية عن المغرب، يتصدرها سؤال ما معنى تكون مغربيا؟”. و بالاستناد على السوسيولوجيا التي تقول بوجود الشخصية القاعدية داخل كل مجتمع la personnalité de base قال المتحدث “هناك مشترك بيننا..هناك مغربي نقتسمه وهذا المشترك بيننا هو ما حاولت اثارته في هذه الرواية اي ما معنى ان يكون منا الواحد مغربيا، كيف نفكر، كيف هي علاقتنا مع التاريخ مع انفسنا مع القبيلة مع المخزن مع الدين مع الكرامة مع التغيير مع اللغة مع الشعر…” هذه الاسئلة يقول جويطي ” حاولت الاجابة عنها في رواية المغاربة” متسائلا لماذا الحضارة المغربية ليست حضارة للخيال و لماذا المغرب ليس بلدا للشعر رغم ما انجبه من شعراء بل بالمقابل اعطى المغرب رحالة كبار، و متصوفة و في مجال التعليم المبني على الحفظ..و انتقد عبد الكريم جويطي المناهج التعليمية التي لا تتيح تنمية و بناء الخيال و التأمل في البيئة المحيطة، مشيرا الى ان الاطفال ذوي الخيال القوي نسعى الى ارجاعهم الى الواقع. مصيبتنا الكبرى يؤكد الكاتب جويطي اننا نخاف من الخيال، و اننا عندما نخاف من الخيال نخشى التغيير و نرتاح في الماضي و تعوزنا ملكة الخيال تجاه المستقبل. واذا بقينا على هذا النحو فسنبقى بلدا للتقليد و اعادة انتاج الماضي، و كلنا مسؤولين على استمرار هذه البنية شبه راكدة( مقررون و غير مقررين، المدرسة الاسرة …). و قال الكاتب و الروائي ” يجب ان يكون المجتمع مجال للتعاقد الاجتماعي، و مشكلتنا اننا نعتبر القيم داخل الاسرة صالحة للمجتمع، حيث ضرورة الفصل بين ما نعيشه و نمارسه داخل الاسرة و المجتمع الذي هو مجال للتعاقد كيفما كانت المرجعية المتوافق حولها، مستشهذا في هذا الصدد بشعب اليابان و شعوب اخرى. مشكلتنا اننا نعتبر قيم الاسرة دائما صالحة للمجتمع. واعتبر جويطي روايته دعوة الى التساؤل، وانه لا يدعي الاحاطة و تناول كل ما يتعلق بالمغاربة، اذ يمكن ان تكتب روايات اخرى و بشكل اعمق حول معنى ان يكون الواحد منا مغربيا، مشيرا الى ان راويته فيها تشاؤم و ان الرؤية البازوفية كما قال الاستاذ نور الدين بلفقير اساسها ” اذا لم تغذ البحيرة فستجف”. و ختم الجويطي مداخلته بالتاكيد على ” اذا لم ننتم الى العصر سنطرد منه” مستشهدا بقولة المفكر عبد الله العروي ” من خرج من التاريخ لا يعود اليه” مشبها التاريخ كقطار اما ان تركب و تواكب التطور او ان تبقى متفرجين عليه و لا نقوى على بلوغه بعد فوات الآوان، مشيرا بأسف الى سيطرة التقليد والتهامه لمساحات كبيرة في المجتمع و توغله في استعمال و سائل التواصل الحديثة. رواية المغاربة هي دعوة الى التفكير في انفسنا، في الدين في المخزن في القبيلة… يختم عبد الكريم جويطي.
هذا و بعد ذلك، تم فتح نقاش تناول قضايا ادبية و فكرية خاصة الجانب الثراتي و الديني الذي استحود بشكل كبير على هذا القاء الثقافي و الفكري المتميز.
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة