الفقيه بن صالح /حميد رزقي
نظم أساتذة مادة الفلسفة، بشراكة مع جمعية أباء وأمهات وأولياء التلاميذ، وبتنسيق مع نادي التربية على المواطنة وحقوق الإنسان بثانوية علال بن عبد الله بسيدي عيسى بالمديرية الإقليمية للتربية والتكوين بالفقيه بن صالح ، يومه الثلاثاء 08 ماي 2018، يوما دراسيا، حول موضوع ( المدرسة والمجتمع) تحت شعار”من أجل فضاء مدرسي، ديمقراطي، وحداثي”.
تميزت أشغال هذا اليوم الدراسي، الذي امتد ليوم كامل، بتنظيم معرض للكتاب شمل مختلف التخصصات المعرفية والمجالات الفكرية والإبداعية، وكانت الغاية من ورائه هي محاولة التصالح مع ثقافة الكتاب ومتعة القراءة والوعي بأهميتها في التحصيل الدراسي والارتقاء بشخصية المتعلم، وبعرض مجموعة من المداخلات التي حاولت مقاربة علاقة المدرسة بالمجتمع، انطلاقا من زوايا فلسفية وسوسيولوجية وإعلامية.
وفي هذا السياق، قامت الدكتورة عزيزة خرازي، أستاذة علم الاجتماع بجامعة السلطان مولاي سليمان بني ملال بتقديم مداخلة تحت عنوان “المدرسة وإعادة إنتاج الفوارق الاجتماعية” مستندة إلى أطروحة عالمي الاجتماع بيير بورديو وجون كلود باسرون في كتابيهما(“إعادة الإنتاج” و”الوراثة”) اللذين أكدا من خلالهما على كون المدرسة فضاء لإعادة إنتاج نفس البنيات والفوارق الاجتماعية القائمة، رغم الشعارات التي ترفعها من قبيل المساواة وتكافؤ الفرص… مع تقديم تحفظات على هذه الأطروحة ومحدوديتها، خصوصا في السياق السوسيو-ثقافي المغربي.
وقدم ذ- يوسف أحنصال عضو اللجنة الإدارية لجمعية التنمية والطفولة والشبابADEJ ، ضمن التصور نفسه المتعلق بسوسيولوجيا التربية، ، ورقة تناول فيها موضوع “المدرسة والتنشئة الاجتماعية “حيث عمل على تحديد مفهوم التنشئة الاجتماعية، متجاوزا دوركهايم في حصره لهذا المفهوم في فعل يمارسه الراشدين على الصغار غير الراشدين، في حين أن التنشئة الاجتماعية تطال حتى الراشدين، ثم تساءل على دور المدرسة ومدى نجاحها وقدرتها على المساهمة في التنشئة الاجتماعية، وخلص إلى أن المدرسة أثبتت عجزها عن القيام بهده المهمة بتخليها عن دورها كخدمة (اجتماعية) وتحولها إلى أداة لإعادة تكريس الأوضاع السائدة.
وتطرق. ذ- فؤاد الصفا- مركز ايديا للدراسات- في مداخلته المعنونة ب “الحياة المدرسية بين المعيش وبناء الفضاء المشترك” لمفهوم الحياة المدرسية باعتبارها تلك التجربة المعيشة من التفاعل والعيش المشترك بين التلاميذ والتلميذات وكل أطر المؤسسة التعليمية، في فضاء محدد وهو الفضاء المدرسي، وزمن مضبوط وهو زمن المدرسة، وأكد الباحث على ضرورة تفعيل الحياة المدرسية باستغلال كل الامكانات البشرية والمادية المتاحة لبناء فضاء مدرسي، وحياة مدرسية جديرة بالعيش والعيش معا، وقال أن هذا الفضاء المدرسي لا يمكن أن يكون قابلا للعيش المشترك والتفاعل المثمر في غياب قيم الديمقراطية والتفكير الحر وقيم الحداثة والفكر النقدي…
ونبه الباحث عثمان دروسي من خلال موضوع ” La culture d’image et la génération Z” الصورة حاملة للثقافة، لغة الصورة هي اللغة الوحيدة المشتركة التي يتكلمها العالم”، من خطورة الحمولات القيمية والمعرفية التي يتم تمريرها للشباب عبر الصورة والتي تجعلهم مجرد متلقين، مستهلكين، تابعين، مسلوبي الإرادة والهوية، مما يجعلهم ، يقول ، فاقدي القدرة على تحصين الذات والقدرة على الاختيار… ويؤكد على أن استنبات الفكر الحداثي النقدي في المدرسة العمومية يبقى من الأدوات الأساسية لحماية شبابنا من الزيف والعمى المعرفي، حتى يرتقوا إلى إنتاج المعرفة بدل الركون إلى استهلاكها بشكل سلبي.
ويشير عبد الحميد الخميس، وهو طالب باحث في سلك الدكتوراه بالرباط إلى أن المدرسة بشكلها الحالي هي نتاج للسياسة الاستعمارية التي كانت أهدافها معروفة، ويخلص إلى أن مدرستنا نجحت في التعليم وفشلت في التربية والتربية على القيم واكتفت بدعوة أو دعاوى إلى تبني قيم منصوص عليها في الأدبيات التربوية وقال ان هناك فرق كبير بين الدعوة إلى القيم (قيم محددة مسطورة) والتربية عليها.
وتساءل الطالب الباحث ياسين معنان عن “الواو” القابعة بين مصطلحي الإعلام والتربية: أهي واو معية أو واو عطف أو واو فصل، وأكد على أنه مهما كانت نوعية هذه الواو، فأثر الإعلام ودوره يبقى مهما وخطيرا في تربية الأجيال والتأثير على تكوينهم، وقال أن الإعلام /خاصة العمومي منه/ يمارس نوع من التضليل والزيف، وإشاعة قيم الاستهلاك والتقليد الأعمى، في حين ان الغاية منه تبقى هي إشاعة التربية على التفكير النقدي الخلاق المبدع المنتج، وخلص إلى أن الإعلام بالنسبة للتربية سيف ذو حدين: إعلام مضلل مزيف للحقائق وهو السائد في حالتنا، وإعلام تنويري في خدمة المجتمع بكل أطيافه وهو المأمول في كل الأحوال.
هذا، وقد أختتم اللقاء، الذي افتتح بكلمات لكل من رئيس المؤسسة ، وممثل المديرية الإقليمية للوزارة واللجنة التنظيمية وجمعية الآباء وممثلي النسيج الجمعوي المحلي ونادي التربية على المواطنة وحقوق الإنسان ، بمجموعة من التوصيات شددت على أهمية الحياة المدرسية والأنشطة الموازية في الارتقاء بالعرض التربوي الذي تقدمه المؤسسات التعليمية، وعلى ضرورة إشراك مختلف الفاعلين الجمعويين والحقوقيين والنقابيين والصحافيين، في النهوض بأوضاع المدرسة المغربية، وألحت على عقد لقاءات وندوات من أجل التفكير ومساءلة كل القضايا المتعلقة بالمدرسة، وعلى تجديد أهمية إشاعة الفكر الفلسفي العقلاني والنقدي في الوسط المدرسي،والدفاع عن قيم الديمقراطية ومشروع الحداثة كخيار مجتمعي استراتيجي، والتأكيد على مجانية التعليم و الدفاع عن المدرسة المغربية العمومية.