قصبة تادلة: محمد البصيري
بتنسيق مع جمعية المدينة العتيقة للتنمية و الثقافة، نظمت اللجنة الثقافية للجماعة الترابية لقصبة تادلة مساء أول أمس الخميس بمقر الجماعة مائدة مستديرة حول موضوع “التسامح”، قام بتأطيرها الأستاذ محمد بنحماني.
في بداية هذا اللقاء الذي حضره عدد من المهتمين و المهتمات بالشأن الثقافي، ألقى عبد الكبير الوافي رئيس اللجنة الثقافية بالمجلس الجماعي كلمة افتتاحية رحب من خلالها بالحضور، مشيرا إلى أهمية اختيار موضوع التسامح في ضل ما تشهده مجتمعات اليوم من صراعات و تطاحنات و من انتشار لقيم سلبية كالتطرف و التعصب و الإقصاء، متساءلا حول سبل التعايش في ظل تفشي هذه المظاهر السلبية، مشددا على أهمية التربية لترسيخ قيم التسامح و حقوق الانسان و الإختلاف و الاعتراف بالآخر.
بعد ذلك ألقى الأستاذ محمد بنحماني عرضا مفصلا حول دلالات مفهوم التسامح من وجهة نظر فلسفية، استهله بالتأكيد على أهمية و راهنية هذا الموضوع في جميع المجتمعات، مشيرا إلى أن واقع حال المجتمعات الإسلامية يعاكس ما يدعو له الدين الإسلامي بخصوص التسامح ، الأمر ذاته يضيف المتحدث بالنسبة للمجتمعات الغربية، مستشهدا بفرنسا التي احتفلت سنة 1995 بعام التسامح، ورغم ذالك لازالت مظاهر الميز العنصري سائدة.
و أوضح بنحماني أن مفهوم التسامح معقد و متعدد الدلالات، و أن مقاربته فلسفيا تنحو إلى إجلاء اللبس و الغموض و التعقد الذي هو أصل الظواهر، مشيرا إلى اختياره خمسة مفكرين و فلاسفة و مقاربة دلالات مفهوم التسامح عندهم و يتعلق الأمر بالإنجليزين جون لوك(القرن 17) و ميل ستيوارت(القرن 19)، و الفرنسي فرانسوا فولتير (القرن 18) و المغربي عبد السلام بن عبد العالي و اللبناني ناصف نصار( القرن 20).
و قال المتدخل أن مفهوم التسامح لم يكن متداولا قبل عصر النهضة أي قبل القرن 16، حيث يعتبره الفيلسوف جون لوك في كتابه “رسالة في التسامح” واجب ديني، كرد فعل اتجاه الوضعية المأساوية و شيوع الانشقاقات الدينية و التعصب و الاضطهاد، حيث يقول لوك ” لا أحد يولد عضوا بالكنيسة”. أما الفيلسوف الفرنسي فولتير و من خلال كتاب ” قول في التسامح” فيرى أن التسامح واجب فردي، مبديا استنكاره لغياب حرية المعتقد الديني، معتبرا الإنسان خير بطبعه، ما يعكس انفتاح هذا الفيلسوف على المجال الحقوقي وتأكيده على قيمة الحرية، و نبذه للحق في التعصب باعتباره حق عبثي و همجي. و يعتبر الفيلسوف الإنجليزي ميل ستيوارت التسامح كجواب على الحاجة الملحة للحرية و حقوق الانسان و يراه رديفا للحرية و السبيل لمقاومة التعصب و توسيع دائرة حرية الفكر و الانتماء.
و انتقل الأستاذ بنحماني بعد ذلك إلى فلاسفة القرن 20 و تساؤلاتهم حول العلاقة بين التسامح و الحرية و الإختلاف، و حول البعد العلائقي و مكانة الآخر في مقاربة مفهوم التسامح، خاصة وأن فلاسفة الأنوار ربطوا التسامح بالفرد. و في هذا السياق استدل المتحدث بالمفكرين عبد السلام بن عبد العالي و ناصف نصار، وأسهب في عرض تصورهما لمفهوم التسامح في بعده العلائقي و ارتكازه على مفهوم الاختلاف.
وختم الأستاذ بنحماني عرضه بالتمييز بين مدولين للتسامح الأول كلاسيكي متمركز على الذات و الآخر علائقي بين الفرد و الآخر قوامه الاعتراف بالاختلاف، ليتم فتح باب النقاش بمداخلات متنوعة و تساؤلات ساهمت في إغناء العرض و التفاعل مع ما جاء فيه من أفكار قيمة.