إعداد: محمد البصيري
تحتضن فرنسا هذه الأيام طيلة ثلاثة أسابيع أطوار النسخة 105 لطواف فرنسا في سباق الدراجات الهوائية الذي انطلقت أولى دورته سنة 1903. وقد انطلق طواف هذه السنة يوم أمس السبت 7 يوليوز الجاري انطلاقا من(Vendée-Pays de la loire) غرب فرنسا، وسينتهي يوم الأحد 29 يوليوز المقبل بالعاصمة باريز “شان إليزي” بعد 21 مرحلة سيقطع خلالها المتسابقين مسافة 3329 كلم، منها 8 مراحل بالسهل، و5 تتخللها تضاريس متنوعة، و6 مراحل جبلية يقع خط الوصول في ثلاث منها بأعالي الجبال ومرحلة فردية ضد الساعة وأخرى جماعية حسب الفرق، و يومين للراحة.
ولن يخرج طواف فرنسا هذه السنة عن المجال الترابي لفرنسا، باستثناء عبور قصير بأسبانيا (حوالي 15 كلم) خلال المرحلة 16. ويشارك في النسخة 105 للطواف 176 دراج عوض 198 كما كان معتادا، و ذلك بعدما تقرر خفض عناصر الفريق الواحد إلى 8 دراجين بدل 9 كما جرت العادة في الطوافات السابقة.
ونظرا لأهمية هذه التظاهرة الرياضية التي تعتبر الثالثة عالميا من حيت الأهمية ونسبة المشاهدة بعد كل من الألعاب الأولمبية وكأس العالم لكرة القدم، نقدم لقراء الجريدة لمحة تاريخية عن الطواف الأكثر إثارة وشهرة، ومعطيات حول رهاناته الإقتصادية والتنظيمية وأرقام مثيرة.
طواف فرنسا السنوي انطلق سنة 1903 وتوقف 10 سنوات بسب الحروب
طواف فرنسا، سباق للدراجات الهوائية يجرى عبر مراحل. وقد تم تنظيمه لأول مرة سنة يعتبر 1903 من طرف “هنري ديغرونج” و يمثل منذ 105 سنة أقوى و أشهر سباق للدراجات الهوائية في العالم.
فمنذ أول دورة، كان الطواف ينظم بانتظام كل سنة في شهر يوليوز باستثاء من 1915 إلى 1918 ثم من 1940 إلى 1946 بسبب الحربين العالميتين الأولى و الثانية.
منذ السنوات الأولى، عرف طواف فرنسا اهتماما جماهيريا و تغطية إعلامية كبيرين، حتى
أصبح في وقتنا هذا حدثا رياضيا عالميا يثير اهتمام العالم بأسره و تتجند له فرنسا بأكملها لما صار له من دور هام على المستويات الرياضية، الاقتصادية، السياحية، السياسية، والإعلامية.
وعلى غير ما نشاهده اليوم، فإن السنوات الأولى لطواف فرنسا شهدت قوانين صارمة جدا، كما أن المراحل كانت قليلة (7 أو 8 في المتوسط) لكن طويلة جدا، يتجاوز أغلبها 400 كلم و تجرى ليلا و نهارا. حاليا يجري الطواف في 21 مرحلة متوسط طولها 200 كلم باستثناء المراحل ضد الساعة التي لا تفوق 60 كلم.
أقيم أول طواف للدراجات بفرنسا تاريخ 1–19 يوليو 1903 على 6 مراحل. وفاز آنذاك بالميدالية الذهبية “موريس غارين” من فرنسا، بعد قطع مسافة 2428 كلم في ظرف 94 ساعة و33 دقيقة و14 ثانية أي بمتوسط سرعة 25.678 كلم في الساعة. ، فيما حصد “لوسين بوثيه” من فرنسا الميدالية الفضية، وكانت الميدالية البرونزية من نصيب “فرناند أوغيرو” من فرنسا
ويعتبر سباق الدراجات على الطريق أحد الأصناف الرئيسية لرياضة سباق الدراجات، فهو يمارس في الهواء الطلق، على طرق إسفلتية.
وقد ظهرت رياضة سباق الدراجات الهوائية في أوروبا خلال القرن التاسع عشر، أي قبل أول طواف بفرنسا و استفادت من التطور السريع لتقنيات صناعة الدراجات الهوائية، قبل أن تنتشر عبر أنحاء العالم، مكتسبة شعبية و متابعة إعلامية كبيرتين.
فأول مسابقة رياضية لسباق الدراجات كانت في شهر ماي من سنة 1868، و أقيمت في مدار من 1200 متر في إحدى حدائق الضاحية الباريسية “سان كلو” ، و فاز بالسباق البريطاني “جيمس مور” بدراجة خشبية وبعجلات حديدية.
ونظم أول سباق على الطريق بالمفهوم المعاصر بتاريخ 7 نونبر 1869، بين مدينتي باريس و “روان” على مسافة 123 كلم، وفاز خلاله “جيمس مور” بتوقيت 10 ساعات و 45 دقيقة.
وفي سنة 1881 تأسس أول اتحاد (جامعة) وطني بفرنسا و تنظيم أول بطولة وطنية بفرنسا لسباق الدراجات.
وفي سنة 1892 تأسس أول تجمع دولي، بلندن، الجمعية الدولية للدراجين.
وفي عام 1896 كان سباق الدراجات على الطريق من الرياضات المعتمدة، خلال أول نسخة من الألعاب أولمبية المعاصرة. أجريت المسابقة على مسافة 87 كلم، ذهابا و إيابا، بين أثينا و ماراثون. ولم تنظم منافسات الطريق في الدورات الأولمبية الثلاث الموالية، لتستأنف خلال دورة ستوكهولم 1912.
وفي بوليوز 1927 نظمت أول بطولة عالمية لسباق الدراجات على الطريق بحلبة “نوربورغرينغ” بألمانيا. كانت المسابقة بسباق فريد، و مختلطة بين مجموعتي المحترفين و الهواة، مع ترتيبين منفصلين لكل صنف. أول بطل للعالم للمحترفين كان الإيطالي “ألفريدو بيندا” الذي حل بالصف الأول، و أول بطل للعالم في صنف الهواة كان السويسري “جان إيرتس” والذي حل في الصف الخامس.
في 1958 نظمت أول بطولة عالمية للسيدات، وسنة 1984 بدأ العمل بنظام تصنيف الاتحاد الدولي. فيما انطلق العمل بنظام أقسام تصاعدية للفرق المحترفة ما بين 1997 و2004. وخلال 1998 بدأ العمل بنظام تصنيف كأس العالم للسيدات. وفي 2005 بدأ العمل بنظامي التصنيف الاحترافي أو العالمي، وبنظام المدارات القارية سنة 2010.
تجرى منافسات دراجات الطريق بصيغ فردية أو جماعية، و تتميز بتقنيات خاصة و بمتطلبات بدنية كبيرة. من أهم أصناف الرياضة نجد، السباقات المستقيمة و سباقات المراحل و السباقات ضد الساعة.
فسباق الدراجات على الطريق كان من ضمن الرياضات الأولمبية منذ أول نسخة من الألعاب الأولمبية الصيفية المعاصرة، بأثينا سنة 1896، و تنظم بطولاته العالمية منذ سنة 1927
ويعتبر الاتحاد الدولي لسباق الدراجات، الهيئة الدولية الوصية على تنظيم المسابقات و تصنيف السباقات و الدراجين.
يخضع صنف سباق الدراجات على الطريق لمجموعة من المعايير الإلزامية حسب دفتر مساطر الاتحاد الدولي ، المتعلقة بالدراجة أو بملابس الدراج أو الملحقات كالعداد و خودة الرأس.
متصدر الترتيب العام حسب التوقيت الزمني هو الدراج صاحب أقل مجموع أزمنة الوصول عبر مراحل الطواف. يحمل قميصا أصفرا خلال مراحل طواف فرنسا، و هو تقليد من اقتراح الصحفيين سنة 1921. أما متصدر الترتيب العام حسب النقط، و هو شبيه بالترتيب السابق، إلا أنه عوض احتساب الوقت، تحتسب المراكز.
محطات بارزة في تاريخ الطواف
– سنة 1905حذف المراحل الليلية و إدراج المرتفعات الكبرى
– 1910 الطواف يمر بجبال البرانس
– 1911 الطواف يمر بجبال الألب
– 1919إحداث القميص الأصفر
– 1930إحداث قافلة الطواف الشهيرة
– 1933إحداث ترتيب أحسن متسلق
– 1952 أول نهاية مرحلة في قمة مرتفع
– 1987 إدراج 25 مرحلة في الطواف
– 1998 فضيحة المنشطات فيستينا الشهيرة
– 2004 فرض ارتداء الخوذة طيلة لحظات السباق
الأرقام القياسية للطواف
– من 1999 إلى 2005 الأمريكي “لانس أمسترونج” يفوز بالطواف 7 مرات
– في 1904 أصغر فائز بالطواف “هنري كورني” وعمره 20 سنة
– 1922 أكبر فائز بالطواف “فيرمين لامبو” وعمره 36 سنة
– الدراج” إيدي ميركس” الأكثر فوزا بالمراحل ( 34 مرة)
– أطول مرحلة، 486 كلم “لي سابل دينلون” – “بايون” من 1919 إلى 1924
الأقمصة المخصصة للفائزين
– القميص الأصفر يمنح كل مرحلة لمتصدر الترتيب العام حسب التوقيت. أحدث سنة 1919.
– القميص الأخضر يمنح كل مرحلة لمتصدر الترتيب العام حسب النقط. أحدث سنة 1953
– القميص المنقط يمنح كل مرحلة لمتصدر ترتيب المتسلقين. أحدث سنة1975
– القميص الأبيض يمنح كل مرحلة لأول متسابق في الترتيب العام حسب التوقيت يبلغ سنه أقل من 25. أحدث سنة 1975
– الصدرية الحمراء تمنح في كل مرحلة للمتسابق الأكثر قتالية في المرحلة التي قبلها
“بيزنس” طواف فرنسا بالأرقام
خلف المناظرالخلابة والمعالم الحضارية لفرنسا والإنجازات البدنية القصوى للدراجين، يشكل طواف فرنسا الذي سيتتبع هذا العام أطوار مراحله حوالي 190 بلدا، رهانا اقتصاديا بالغ الأهمية. وهذه بعض الأرقام الأساسية:
– 176 دراج عند انطلاق الطواف، موزعين هذه السنة على 22 فريقا، سيقتسمون ما يناهز 2.5 مليون أورو من المنح.
– 3،5 مليار مشاهد عبر التلفزة عبر العالم
– حوالي 600 وسيلة إعلام تتابع الطواف
– 600 شخص يشاركون بقافلة الإشهار
– أزيد من 12 مليون من المتفرجين بالطرقات خلال هذه السنة
– 500 ألف يورو بالنسبة للفائز النهائي بالسباق
– 11 ألف يورو للفائز بإحدى المراحل
– 50 ألف يورو للفائز بالترتيب حسب الفرق
– ما بين 2 إلى 10 ملايين أورو تسدد للمدينة التي تعطي إنطلاق الطواف
– 60 ألف يورو للمدينة التي تحتضن انطلاق إحدى مراحل الطواف
– 90 ألف يورو للمدينة المستقبلة للوصول بإحدى المراحل
– 24 مليون يورو سددتها تلفزات فرنسا مقابل حقوق البث
وبالرغم من الفضائح المتكررة التي تحوم حول طواف فرنسا بسبب المنشطات، فإن الأخير يخلف ورائه مداخيل مالية هامة. فالسباق يتتبعه المشاهدون ب 190 دولة بما يقارب 3،5 مليار مشاهد، إذ يعتبر الحدث الرياضي العالمي الثالث من حيث الأهمية بعد كل من الألعاب الأولمبية وكأس العالم في كرة القدم.
فالشركة المنظمة التابعة لمجموعة “أموري” تستفيد من تنظيم الطواف إلى جانب تنظيمها تظاهرات أخرى. ويشكل طواف فرنسا 80 في المائة من رقم معاملاتها المقدر ب 150 مليون يورو. كما أن الجريدتين “ليكيب” و “لوباريزيان” التابعتين لها تقومان بالدعاية والترويج لها. وتقتسم الشركة المنظمة مع السلطات العمومية مصاريف إقامة الفرق المتسابقة واللوجستيك والأمن، كما تدعم المحافظات بمبلغ 250 ألف يورو لتهييىء الطرقات.
وتستفيد الشركة المنظمة من مداخيل حق البث التلفزي للطواف، ففضلا عن تلفزات فرنسا التي تسدد 24 مليون يورو مقابل حق النقل التلفزي، كما أن القنوات التلفزية من خارج فرنسا وبالخصوص بالولايات المتحدة تدفع بدورها مبالغ مالية هامة.
وليس هذا فقط، فالجهة المنظمة تستفيد من تسديدات الجماعات والمحافظات. فحسب القانون المنظم لسنة 2012 فإن المدينة المحتضنة لانطلاق الطواف تسدد 60 ألف يورو لإحتضان الإنطلاق و90 ألف يورو لاحتضان الوصول وفي حال احتضانها لهما تدفع المبلغين معا. وتتحمل أيضا تكاليف البنيات والأمن والتواصل. وتقدم المدن الراغبة في احتضان الإنطلاق أو الوصول ترشيحاتها التي تصل إلى 250 طلب ترشيح عبر ربوع فرنسا. ويعتبر شرفا كبيرا احتضان الإنطلاق أو الوصول أو هما معا، نظرا للمتابعة التلفزية الكبيرة عبر 190 بلدا فضلا عن عدد السياح المقيمين بالمدينة قبل إعطاء الإنطلاق، مما يخلق رواجا كبيرا بالمدن المستضيفة.
كم يساوي حمل أحد الأقمصة؟
يتلقى الدراجون المتوجون مبالغ مالية عن الأقمصة التي يحملونها
– القميص الأصفر: 500 ألف يورو
– القميص المنقط(أحسن متسلق): 25 ألف يورو
– القميص الأخضر(السرعة): 25 ألف يورو
– القميص الأبيض (أفضل شاب): 20 ألف يورو
– الفوز خلال سباق ضد الساعة حسب الفرق: 10 ألف يورو
– الفوز بالترتيب حسب الفرق: 50 ألف يورو
قافلة السباق: تسويق مثالي للماركات العالمية
منذ إنشائها قبل 80 سنة تعتبر قافلة طواف فرنسا واجهة لتسويق المنتوجات والماركات العالمية قبل أن تكون وسيلة ترفيه للعموم. كل عام توزع ملايين العينات عبر طرقات فرنسا، تتنوع بين القبعات وقناني الماء والنقانق والحلويات وغيرها.
فبالنظر إلى عدد المتفرجين بالطرقات الفرنسية المقدر سنويا ب 12 مليون متفرج، تعتبر قافلة الطواف وسيلة إشهارية فعالة للمنتوجات المروج لها. ولكي تحظى الماركة بعضوية القافلة التي تضم 37 ماركة هناك حالتين. بالنسبة للشركاء الرسميون لطواف فرنسا ك “فيتيل” فالحضور بالقافلة يدخل ضمن عقد الإستشهار الموقع ولا تدفع أي مبلغ إضافي، بالنسبة للماركات الأخرى خارج عقود الأستشهار، عليها تسديد 37 ألف يورو لضمان أربع عربات بالقافلة مع إضافة 6300 يوري عن كل عربة إضافية بالقافلة. ويبلغ طول القافلة هذه السنة 12 كلم وتضم 165 عربة وينشطها 600 شخصا.
المنشطات كابوس طواف فرنسا المزعج
مع حلول طواف فرنسا الشهير يشتد الحديث حول استعمال المنشطات، وقد كان تصريح سابق للدراج الأمريكي “لانس أمسترونج” قبل سنوات، مدويا وهو التصريح المشكك في انجازات الدراجين المبهرة بطواف فرنسا والذي خلق نقاشا إعلاميا في الموضوع بمختلف وسائل الإعلام.
لقد تم إلغاء تسعة من الألقاب 14 الأخيرة من طواف فرنسا بسبب المنشطات. وسبعة من الألقاب الملغاة حصل عليها ارمسترونغ الذي جرد من انتصاراته التي حققها بين 1999 و2005 بعدما صادق الاتحاد الدولي للدراجات على قرار اللجنة الأميركية لمكافحة المنشطات القاضي بإلغاء نتائج المتسابق الأميركي ابتداء من يونيو 1998. هذا فضلا عن فضيحة “فستينا” الشهيرة.
وفي هذا السياق قال كريستيان برودوم مدير سباق فرنسا أن رياضة الدراجات تتغير وأبلغ قبل حفل الكشف عن مسار السباق بدأ التحرك قبل سنوات قليلة ويتعين أن يستمر، مشيرا أن الكل يتعين عليه العمل من أجل القضاء على المنشطات.
وأضاف برودوم خلال ذات الحفل “لا نستطيع القول أن اختبارات مكافحة المنشطات غير مجدية، أرغب في التذكير أننا فقدنا اثنين من الفائزين في أخر خمس سنوات (بسبب المنشطات)” في إشارة الى “فلويد لانديس” و “البرتو كونتادور” اللذين جردا من لقبيهما في 2006 و2010 بعد سقوطهما في اختبارات منشطات.