حميد الخلوقي
شهدت مدينة بني ملال، على غرار بعض المناطق الأخرى، حركات احتجاجية لتلاميذ المؤسسات التعليمية تعبيرا على رفضهم للتوقيت الذي اعتمدته الجهات الوصية لسير الدراسة، وهي احتجاجات تجسدت في شكل مقاطعة للدراسة والخروج في مسيرات حاشدة عبر شوارع المدينة.
ولئن كان الطابع المميز لهذه المسيرات هو التلقائية وعدم التخطيط المسبق وغياب المنظمين لهذه الفئات العريضة من اليافعات واليافعين اللذين يجوبون شوارع المدينة في مجموعات تعد بالآلاف، فهذا أمر جعل منها خطرا متحركا وتهديدا محتملا لأمن وسلامة الممتلكات العامة والخاصة، لا سيما مع احتمال تسرب أشخاص غرباء عن التلاميذ أو من ذوي النيات السيئة أو التوجهات الإجرامية.
وبقدر ما أن حق الإحتجاج يعتبر حقا مشروعا بموجب القوانين الوطنية والمواثيق الدولية، فإن حماية النظام العام وصون الممتلكات الخاصة والعامة وضمان حق التنقل ومماسة الحريات بالنسبة لغير المحتجين يعتبر أيضا حقا يكفله القانون وتنص عليه مختلف التشريعات.
هي إذن معادلة صعبة وإشكالية معقدة وقع حلها على عاتق مسؤولي أجهزة الأمن بمدينة بني ملال، فعلى مر الأيام الأخيرة كانت أجهزة شرطة ببني ملال مستنفرة لمواجهة تحد حقيقي وكسب رهان كبير يجمع ما بين حماية الآلاف من التلاميذ القاصرين المحتجين اللذين تحركهم حماسة الشباب وتعتريهم نخوة تحقيق المطالب، وبين الحيلولة دون خروج حماستهم الزائدة عن السيطرة إلى ما قد يتسبب لهم في إيذاء أنفسهم أو بعضهم البعض أو إلى الجنوح إلى زلات معاقب عليها بموجب القانون وارتكاب أفعال إجرامية في حق ممتلكات الغير أو الممتلكات العامة.
وفي هذا السياق فقد لوحظ أثناء المسيرات الإحتجاجية للتلاميذ تواجد أحزمة أمنية متحركة عبارة عن عناصر من شرطة الزي والشرطة المدنية كانت تسير وتتحرك باستمرار على امتداد جنباتها، وحسب بعض المصادر العليمة فقد كانت هذه الأحزمة الأمنية تعمل كدروع لمنع تسرب الغرباء أو بعض المنحرفين إلى وسط التلميذات والتلاميذ إما بغرض اقتراف السرقات أو التحرش أو تحريضهم على القيام بأعمال الشغب التي تستهدف ممتلكات المواطنين من السيارات والواجهات الزجاجية الخاصة بالمحلات التجارية وغيرها، كما لوحظ أيضا أنه أثناء مرور المسيرات الإحتجاجية كانت تتشكل أحزمة أمنية من عناصر الشرطة أمام بعض المؤسسات الخاصة والعامة وبعض الإدارات العمومية تفاديا لما قد لا تحمد عقباه من أعمال تخريبية أو حوادث شغب قد يتعمد البعض افتعالها.
وتضيف مصادر الجريدة أن ضمان أمن وسلامة مسيرات هؤلاء التلاميذ من أخطار الحوادث المرورية كان لوحده تحديا كبيرا على مستوى تنظيم حركة السير والجولان بالمدينة، فبموازاة حماية تنقلات هؤلاء الشباب من تهديدات حوادث السير، كان أيضا لزاما على جهاز الشرطة ضمان حرية ومرونة التنقل لباقي المواطنين لتمكينهم من قضاء مآربهم اليومية، وهكذا فقد كان يتم استباق تنقلات هذه المسيرات التي لم تكن لها مسارات محددة عن طريق وضع سناريوهات متعددة لتوجهاتها وتوقع الاحتمالات الممكنة بهدف تحويل ممرات سير العربات وإخلاء الشوارع من تدفقات السيارات والشاحنات التي تمر منها وتخصيص محاور طرقية أخرى لها.
هذا وترى فئات عريضة من المتتبعين للشأن المحلي أن المقاربة التشاركية في اتخاذ القرار الذي تم على مستوى جهة بني ملال خنيفرة بخصوص التوقيت الرسمي للدراسة ما بين الساعتين الثامنة والنصف والثانية عشرة والنصف بالنسبة للفترة الصباحية والثانية والنصف إلى السادسة والنصف بالنسبة لفترة ما بعد الزوال، كانت محركا وحافزا لوقف هذا الهدر المدرسي الذي يعتبر التلميذ أكبر ضحاياه، دون أن ننسى الدور المحوري للاعلام والصحافة في توعية التلاميذ بخطورة أفعال التخريب والشغب وعقوباتها وعدم مسايرة بعض الاحتجاجات التي كادت تخرج عن السيطرة ، بالاضافة الى دور بعض جمعيات الاباء والامهات والمدراء والأساتذة الذين أخبروا التلاميذ بضرورة الالتحاق بالدراسة بسبب الامتحانات التي على الأبواب ، حيث أجمع أغلب التلاميذ ان هذه الامتحانات كانت سببا رئيسيا في عودتهم لأقسامهم.
يشار إلى أن العديد من تلاميذ المؤسسات التعليمية ممن كانوا يخوضون الاحتجاجات عادوا تدريجيا إلى الدراسة ابتداء من عشية يوم السبت الماضي منها إعدادية أحمد الصومعي التي التحق تلامذتها بأقسامهم، كما أن هناك مؤسسات تعليمية لم تدخل في الإحتجاج ولم تقاطع الدراسة كمعاهد التكوين المهني والكليات والمدارس الخاصة. وربما هذا راجع إلى القناعة الراسخة للأغلبية العظمى بأن مصلحتهم تقتضي العدول عن مقاطعة الدراسة واستئناف العملية التعليمية.ولكون قضية الساعة الصيفية وجب حلها على مستوى النقابات والأحزاب والبرلمانيين وجميع شرائح المجتمع.