القول إنّ الإخلال بالقوانين والإجراءات التّشريعيّة والتّنظيميّة، التي تؤطّر المهن الصحيّة بجميع المؤسّسات التّابعة لوزارة الصحّة بالمغرب أثناء مزاولتها، أمر يؤدّي إلى المتابعة القانونيّة وفق التّشريع الجاري به العمل أمام المؤسّسات القضائيّة، والتي تتمتّع بصلاحيّة تكييف هذه النّوازل حسب المخالفة وحسب الضّرر المترتّب عنها، تحصيل حاصل لم يأت بجديد غير توصيف الوقائع والأحداث والمحاكمات التي يتعرّض لها بعض المهنيّين.
والحديث عن أنّ انعدام الحماية خلال ممارسة بعض المهن الصحيّة بسبب النّقص والتّقادم والفراغ القانوني الذي تعانيه هذه المهن، أمر تتحمّل مسؤوليّته الحكومة ووزارة الصحّة، قول غير دقيق لأنّ النّقابات والتي لم تنتبه للخطر الذي يهدّد ممارسي مهنة التّمريض مثلا إلّا بعد أن أصبح حديثَ المحاكم وموضوع السّاعة في الإعلام، وهي كشريك أساسي إلى جانب الوزارة، تتحمّل حظّها من المسؤوليّة عن المناخ المريض الذي تمارَس في إطاره هذه المهن الصحيّة.
أمّا حثّ موظّفي قطاع الصحّة، وأخصّ بالذّكر منهم الممرّضين، على الالتزام الصّارم بالقوانين الموجودة وتحذيرهم من القيّام بمهام لا تدخل ضمن مسؤوليّتهم وتعتبر من مسؤوليّة الغير، ودعوتهم إلى رفض القيّام بأيّ مهام غير قانونيّة أو تدخل ضمن مهام موظّفين آخرين، فسيظلّ كلاما نظريّا ونضالا طوباويّا حتّى إشعار آخر.
وإن كان من الجيّد اعتبار إجبار أو أمر أيّ عضو أو منخرط على القيّام بمهام لا تدخل ضمن اختصاصاته وليس لها أيّ سند قانوني سواء كان هذا الأمر شفويّا أو كتابيّا، فرديّا أو جماعيّا، من طرف أيّ مسؤول مهما بلغت مرتبته شططا وتجاوزا، ومن المشرّف كذلك استعداد النّقابة الوقوف له بالمرصاد بكلّ الطّرق القانونيّة والمشروعة، وذلك أمر لن يختلف عليه اثنان ولن يتناطح فيه عنزان، فإنّ الخلاف المطروح في الواقع مع الوزارة ومع غيرها سيكون حول ماهيّة هذه المهام المعنيّة بكون القيّام بها من طرف الممرّض مثلا يعتبر غير قانوني.
و لأنّ الإبداع والقوّة الاقتراحيّة تقتضي من النّقابة، كتجمّع قطاعي يمثّل الصّحّة له شركاء في قطاعات نقابيّة أخرى ذات صلة بالموضوع كقطاع العدل والمحاماة، تجمعهم مركزيّة واحدة لها شراكة مع أحزاب فاعلة أو مشاركة في التّسيير، أن تكون مبادِرة إلى كشف معاناة المهنيّين قبل استفحالها ووصولها إلى ردهات المحاكم وعنابر السّجون، وليس فقط كرجع صدى متأخّر لواقع مرير، واجتهادات فرديّة أو جماعيّة يُعبّر عنها في مواقع التّواصل الاجتماعي أو في الصّحافة.
ولأنّ الوزارة اكتفت بما اكتفت به، فإنّ المطلوب من النّقابات بتشاور مع قواعدها من المهنيّين وبمؤازرة المركزيات وخبرائها في القانون الآن وليس غدا ولا بعد حين، المبادرة إلى حصر لائحة المهام القانونيّة التي لا يجب على الممرّضين أن يقوموا بغيرها، كلّ حسب اختصاصه وكلّ حسب موقعه، وذلك من أجل توحيد لغة الحديث بين الموظّف الذي سيمارس المهام، والنّقابة التي ستآزره أمام الإدارة، والمحامي الذي سيدافع عنه في المحاكم إن اقتضت الضّرورة ذلك، وبالتّالي تسهل الممارسة المهنيّة والنّضال النّقابي والدّفاع القانوني.
إنّ من صميم القوّة الاقتراحيّة أن تجتهد النّقابات في سدّ الفراغات القانونيّة وفي تبديد الضّبابيّة التي يشتغل في إطارها الممرّض، ليعلم ما له وما عليه، وبالتّالي استشراف المستقبل لاستباق الأحداث، وتجنّب المصائب قبل وقوعها، لأنّ الاجتهاد بهدف الوقاية من مصيبة قبل وقوعها أجدى وأقلّ تكلفة من الجهد والاجتهاد لعلاجها بعد فوات الأوان، وذلك بدل تركه لاجتهاده الشّخصي الذي قد يصيب و قد يخطئ، وبدل دفعه أو تركه وحيدا في مواجهة الإدارة والمرتفقين ابتداء والذين تعوّدوا منه القيام بمهام ليست من اختصاصه، ومواجهة الهيئات القضائيّة انتهاء حين تقع واقعة محتملة لا ينفع معها التماس نقابي ولا بلاغ صحفي، وبدل الاكتفاء بإضافة النّفخ في الكير إلى مطرقة القانون و سندان الإدارة.