بني ملال: م. البصيري
نظم فرع بني ملال للحزب الاشتراكي الموحد مساء أمس الجمعة بدار الشاب المغرب العربي عرضا إشعاعيا تحت عنوان ” الاقتصاد المغربي: النموذج التنموي البديل” من تأطير الخبير الاقتصادي و عضو المجلس الوطني للحزب نجيب أقصبي، و ذلك بحضور فعاليات سياسية و حقوقية و جمعوية و إعلامية و مهتمين بالشأن الإقتصادي.
و استهل أقصبي عرضه المفصل بإعلانه قلب المعادلة من خلال التركيز و منح وقت أكبر للحديث عن البديل و الحلول أكثر من التشخيص و التحليل، متسائلا عن ملامح الاقتصاد المغربي اليوم و مشاكله و العلاقات بين الأسباب و النتائج بغض النظر عن التوجهات السياسية و الإيديولوجية، حيث ضرورة وضع الأصبع على مكامن الخلل من أجل التقدم و تجنب تكرار نفس الأخطاء و الاستفادة من الدروس و التقدم نحو الأمام، و هذا هو الأهم في تمرين المسائلة و المحاسبة.
فعند الحديث عن اقتصاد بلد معين يقول الخبير أقصبي، هناك مؤشر متعارف عليه دوليا و هو الناتج الداخلي الخام الذي يقارب بالنسبة للمغرب 110 مليار دولار، فيما الناتج العالمي هو 80 ألف مليار دولار، ما يعني أن وزن الاقتصاد المغربي هو 14،0 في المائة من الناتج الداخلي العالمي، يجعله في المرتبة 128 من ضمن 180 دولة يحتسب لها هذا الناتج. و تساءل أقصبي حول وثيرة النمو التي و صفها بالضعيفة و المتجهة نحو مزيد من الضعف، إذ لم تتجاوز طيلة العشرين سنة الأخير معدل 3 أو 4 في المائة (توقعات مندوبية التخطيط لسنة 2019، حوالي 2.9 في المائة)، مستحضرا تركيا و كوريا الجنوبية على سبيل المقارنة، إذ يبلغ الناتج الداخلي الفردي في تركيا 12 ألف دولار، و في كوريا الجنوبية 30 ألف دولار و في المغرب لا يتجاوز حوالي 3 ألاف دولار(3000)، علما يضيف نجيب أقصبي أن الناتج الداخلي الخام لكل من المغرب و كوريا الجنوبية و تركيا كان في نفس المستوى سنة 1960، موضحا أنه لبلوغ مستوى الاقتصاد التركي الحالي يلزم بالنسبة للمغرب تحقيق معدل سنوي للنمو بين 7 و 8 لمدة 15 أو 20 سنة. فوثيرة النمو يخلص المتحدث بالمغرب هشة منذ عقود و مرتبطة بتقلبات الأمطار أي بالمحصول الزراعي السنوي.
و بخصوص انفتاح الاقتصاد المغربي أكد أقصبي أنه منفتح ( 55 اتفاقية تبادل حر مع 55 بلد)، لكنه انفتاح بصيغة خاسر و ليس رابح رابح، حيث عجز الميزان التجاري يقارب 190 مليار درهم، مشيرا بعد ذلك إلى الوضع الاجتماعي و ضعف مؤشر التنمية البشرية (المرتبة 123 منذ سنين و دون تحسن يذكر)، و هو مؤشر لا يعبر عن مستوى الدخل بل عن وضع الصحة و التعليم. و بالنسبة للأمية فوضعها مقلق يقول أقصبي بحيث يبلغ المعدل الرسمي 32 في المائة مع وجود حيف مجالي و نوعي ، إذ تصل النسبة بالعالم القروي 42 في المائة و 60 في المائة في صفوف النساء بالعالم القروي. أما في ما يخص المؤشر المتعلق بالشباب ما فوق 15 سنة الذين ليسوا في المدرسة و ليسوا في التكوين و لا يشتغلون فعددهم يؤكد أقصبي هو 2 مليون و 700 ألف أي ما يقارب 3 ملايين. و بالنسبة لمشكل الأدمغة المهاجرة إلى الخارج فهناك نزيف و تفقير، يقول أقصبي مستشهدا في هذا الصدد بتصريح رسمي أخير جاء فيه أن حوالي 600 من الأطر تغادر شهريا (مهندسين)، مشيرا في الأخير إلى الإقرار الرسمي بفشل النموذج التنموي لكونه لا يتجاوب مع حاجيات المغاربة و لم يقلص من الفوارق الاجتماعية و المجالية.
و لشرح أسباب فشل هذا النموذج عاد المتحدث بالحضور إلى الاختيارات و الرهانات منذ عقدي الستينات و السبعينات و التي لم تتغير بحسبه على مدى 50 سنة رغم توظيف موارد بشرية و مالية و تنظيمية، مستشهدا بقطاعات تتحرك بمنطق الريع و ليس بمنطق المنافسة و الشفافية، موضحا أن الاقتصاد المغربي لازال بعيد جدا عن اقتصاد السوق و أن القطاع الخاص لم يلعب دوره رغم دعم الدولة له لمدة 60 سنة و التي تعتبر (أي الدولة) المستثمر الأول، أي أن 70 في المائة من الاستثمارات تقوم بها الدولة و المؤسسات العمومية، و هو وضع غير مقبول يورد الخبير الاقتصادي، الذي شدد على ضرورة إعادة النظر في هذه الاختيارات مع الأخذ بعين الاعتبار دروس التجربة الواقعية، مقترحا عناصر البديل في إطار برنامج اقتصادي لفيدرالية اليسار الذي يعتبر أن أي إصلاح اقتصادي أو اجتماعي لا يمكن أن يقفز على الإصلاح السياسي، و لا حظ له في النجاح إذا لم يطبق في إطار معادلة سياسية و يستمد مشروعيته من مشروعية صناديق الاقتراع أي من خلال تعاقد بين المرشح و الناخب و من خلال حكومة تمارس مسؤوليتها كاملة و شاملة، برنامج متعاقد عليه و يتجاوب مع حاجيات الناس أي بناء اقتصاد و طني في خدمة المواطن و في أحضان مجتمع ديمقراطي متضامن، اقتصاد قوي و منتج و مزدوج يحترم التوازنات المجتمعية و البيئية في إطار الانفتاح و ما يخدم مصالح الشعب المغربي و الحفاظ على كرامة المواطن.
وتحدث أقصبي عن خمسة محاور و هي بمثابة إجراءات و آليات أولها إيقاف نزيف الاقتصاد المغربي و وقف الريع و الاحتكار و الرشوة وإرساء قواعد اقتصاد مزدوج منتج و متضامن يمزج بين المصلحة العامة و المصلحة الخاصة و إعادة النظر في مسلسل الانفتاح و إخضاع التوازنات الماكرو اقتصادية للتوازنات المجتمعية و البيئية و إصلاح منظومة التمويل( أي السياسة النقدية و المالية و الضريبية)، حيث تناول بإسهاب و بالأرقام و المعطيات كل محور من هذه المحاور، مشددا على ضرورة إعادة الاعتبار للمخطط الوطني، مشيرا في الأخير بكل تواضع أن هذه الاقتراحات معروضة للنقاش و لا ادعاء بامتلاك الحقيقة كاملة، و أن المهم هو ترسيخ ثقافة الحوار على أساس المبادئ و بأخلاقيات و جدية، مبرزا أن مصداقية اليسار كمشروع مجتمعي تكمن في القيم و الجدية و أن البديل المطروح واقعي و طموح و تمت دراسته بعمق و يتلائم مع الأهداف و الطموحات يختم الدكتور نجيب أقصبي.