تاكسي نيوز // خاص
وصفت القاصة فاتحة سعيد نفسها ، في حديث صحفي خاص ، بكونها مجازة في التاريخ لم تنصف اجتماعيا وبأن كتاباتها اصطدمت بواقع لم يضمن لها الاستقرار المادي كمدخل أساس للتحرر الفكري والمضي في مجال الإبداع الأدبي ، مشيرة إلى ما جلبه لها توجهها نحو الكتابة من عزلة ورفض من طرف محيط المقربين ، مؤكدة أن مطمح حرية المرأة ومساواتها بالرجل ، رغم كل ما قطعه المغرب في هذا المجال من أشواط ، لا زال يواجه بنية ثقافية مركبة ومعطيات اجتماعية صعبة تحتاج إلى الكثير من الجهد والمبادرات الشخصية والكفاح لتجاوزها ، وأضافت أن التربية أهم من الثقافة في هذا السياق من أجل نيل المرأة حقوقها كاملة ، خاصة في البنيات العائلية والاجتماعية التقليدية والقروية .
وازدادت رئيسة فرع الفقيه بن صالح ل”رابطة كاتبات المغرب ” يوم فاتح أكتوبر من سنة 1975 بمدينة خنيفرة في بيت يتكون بالإضافة إلى الوالدين من ستة أشقاء ذكور هي أصغرهم، كلهم شغوفون بالقراءة والمطالعة منهم الكاتب الروائي سعيد الشرقاوي صاحب )ربيع الواد( و)حطب الليالي( و )ليام الحايلة ( ، حيث تدرجت هذه السيدة الأم لابن وحيد في السادسة عشرة من العمر في دراستها من مدرسة الرجاء الابتدائية ، فإعدادية ابن خلدون ثم ثانوية بئر أنزران بمدينة الفقيه بن صالح قبل الالتحاق بملحقة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة بني ملال التي كانت تابعة آنذاك لجامعة القاضي عياض بمراكش حيث نالت شهادة الإجازة في شعبة التاريخ .
قارئة جيدة منذ الطفولة تشبعت بروح العمل الجمعوي وحب الثقافة والفن منذ سن الحادية عشرة حين التحقت كمنخرطة ب ” نادي العين الذكية للسينما” وكعضو في لجنة تقنية كانت تساهم إلى جانب أطفال وشباب آخرين في إعداد مجلة سينمائية صوتية تقدم كل يوم أحد بقاعة السينما الوحيدة المتوفرة حينها بالمدينة قبل عرض الشريط المقرر لذلك اليوم من طرف النادي السينمائي.
كان لتلك المرحلة كبير الأثر في حياة صاحبة المجموعة القصصية) خليلة خضرا ( حيث مكنتها من لقاء عدد من المثقفين والمهتمين بالفن السابع والمسرح خاصة خلال تنظيم أسابيع ثقافية وسينمائية شكلت على مدى سنوات المتنفس الثقافي والفني الوحيد بعاصمة بني عمير وكذا بفعل احتكاكها بعدد من المبدعين والمثقفين ممن كانوا يقضون تلك الأيام في بيت أسرتها .
وقالت فاتحة سعيد أنها تتابع بانبهار وإعجاب كبير الحضور القوي لكل من تورية تناني وحكيمة ناجي كنموذج لأولى نساء المدينة ممن كسرن جدار الصمت وأعراف المجتمع الذكوري ، خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ، وولجن عالم الثقافة والعمل الجمعوي في إطار “نادي العين الذكية للسينما “كمدرسة أولى بالنسبة للمتحدثة لأنه وشم ورسم نظرتها للحياة وللفن والثقافة عموما من خلال عدد من روائع السينما الجادة عالميا كالفيلمين السوفياتيين )المدرعة بوتمكين ( و )الأم ( والفيلم المغربي )وشمة ( لحميد بناني وغيرها من الأفلام التي أعطتها شحنات وجرعات لا زالت تستلهم منها طاقتها في مجال الثقافة والفن و الكتابة والإبداع ، إضافة إلى )الجمعية الثقافية لمدينة الفقيه بن صالح ( التي أسسها شقيقها و التي ساهمت بدورها في خلق الشخصية الأدبية لفاتحة سعيد .
وقالت صاحبة قصة ) سعدية والبقرة ( ، التي نالت عنها الجائزة الأولى سنة 2014 خلال مهرجان القصة القصيرة المنظم من طرف ” ملتقى شواطئ الإبداع والتميز الثقافي بغزة ” ، بأن نشأتها بين إخوة كلهم ذكور ولد لديها خاصية الدهشة وحب الاستكشاف حيث كانت تميل دائما إلى البحث فيما وراء الظواهر البارزة وكنه الأمور وليس الاكتفاء بالفهم الظاهري للقضايا ، مذكرة بتسللها رفقة طفلة أخرى إلى مكان تواجد آلة العرض السينمائي خلال عرض أحد الأفلام من طرف نادي العين الذكية وهي طفلة في محاولة لفهم مسألة العرض ومصدر بث الصور والصوت .
وأضافت بأن خاصية الدهشة وحب الاستكشاف لم يقتلها فيها واقع كونها امرأة بل بسبب تلك الميزة كبرت فيها الأسئلة مع حب الشاشة وازدادت رغبتها في الاطلاع ، مؤكدة الأثر الكبير للسينما والشاشة الكبرى على حياتها الثقافية والأدبية ، مشيرة إلى أن كتاباتها عبارة عن كاميرا متحركة تحول ما تكتب إلى مشاهد ولقطات سينمائية تعرض الأمكنة والأزمنة وتفاصيل الأحداث بكل زخمها ودقتها .
وعن المرجعية الثقافية لمجموعتها القصصية )خليلة خضرا (التي أصدرتها سنة 2014 أشارت فاتحة سعيد إلى حضور تخصصها الجامعي كمجازة في شعبة التاريخ حيث تحضر فيها بقوة قصة من التراث تتناول بياض الثلج بحضوره القوي بحجم الأسطورة ، إذ تحيل حكاية ) خلالة خضرا ( إلى عقدة “إليكترا ” أو علاقة الأم بابنتها ، موضحة ربطها لموت خليلة السريري في الحكاية بموت كل ما هو جميل في الوطن العربي .
وأوضحت فاتحة سعيد أنها لا تعالج بشكل مباشر قضايا المرأة في كتاباتها بل تشير دائما إلى أن المرأة ليست عدوة للرجل وأنها تكمله كطرف في قضية مشتركة بين الجنسين هي قضية تقدم وازهار المجتمع ، وأردفت أنها كانت خلال هذه الحكاية تتحدث بأصوات رجال محيلة على صوت السجين وصوت العامل المهاجر وغيرهم من الشخوص في القصة المذكورة التي حاولت رصد بعض أعطاب المجتمع ، كالبطالة والتعليم ومعاناة المرأة القروية، في محاولة لتجاوزها من خلال السرد والحكي .
ولفتت المصرحة إلى إعجابها بكتاب الاتحاد السوفياتي سابقا وبكتاب أمريكا اللاتينية وبالكتاب الفرنسيين ، وإلى أنها ابتعدت عن القراءة حين التحاقها بمسار الكتابة من أجل الاستقلال بشخصيتها ككاتبة وكمبدعة دون تأثير أو تأثر بأحد ، وذكرت بعضا من إنتاجاتها التي هي قيد الطبع كديوانها الشعري)تربصت للموت(وديوان زجلي لم يستقر قرارها على عنوانه )مرثية المرس ( بعد ، ثم كتاب )اللعب من منظور فرويد وبياجي( كثمرة لمجموعة من البحوث التي أنجزتها طيلة 18 سنة من العمل كصاحبة مؤسس خاصة للتعليم الأولي ، إضافة إلى مشروع عمل روائي يتناول قضايا مجتمعية من خلال ثلاث نساء من أسرة واحدة لكن من أجيال مختلفة .
وعن حضور فضاءات ومكونات القرية في قصة) سعدية والبقرة ( شبهت القاصة فاتحة سعيد القرية بقفاز يخفي الفطريات التي تصيب الكف ، حيث من خلالها تنكشف كل مشاكل المجتمع على مستويات التعليم والصحة وضعف البنى التحتية ، موضحة أن محور الحكاية)سعدية ( تلخص معاناة المرأة القروية إذ وضعت مولودها فوق جرار وقامت بحلب بقرة وهي نفساء ليختلط حليبها بحليب البقرة في صورة معبرة وذات عمق دلالي في المجتمع القروي حيث يتم حرث كل مباهج المرأة ، سنها ، طفولتها ، حياتها وكل قدراتها على العطاء في مزرعة شمس تمتص رحيقها وكل ما هو حلو فيها .
ولم تنس فاتحة سعيد الإشارة إلى أن تشجيعها على الكتابة والإبداع جاءها من كتاب ومبدعي مدينة الفقيه بن صالح الذين رحبوا بباكورة إصداراتها وعرفوا بكتاباتها داخل المقهى الأدبي ورافقوها بالنقد والتحليل خطوة خطوة ن وعززوا رغبتها في المضي على درب القلم من أجل توسيع مساحة حضور المرأة الأدبي والثقافي داخل المجتمع العميري ، وشددت على رغبتها في مساعدة نساء المنطقة على إخراج إبداعاتهم وكتاباتهم إلى حيز الوجود من خلال الإطار الجمعوي التي ترأس مكتبه المركزي عزيزة يحضيه عمر ، وأضافت أنها تطمح إلى إصدار ديوان شعري مشترك مع مبدعات إقليم الفقيه بن صالح إذ أحدثت منتدى افتراضيا لهذا الغرض لكنه طموح لازال حبيس الصدر والمتمنيات في ظل سيادة ثقافة ذكورية لازالت حاضرة بقوة في الوسط الاجتماعي المحلي .