جاء في كتاب [ إسعاف المبطأ برجال الموطأ ] للإمام ” جلال الدين عبد الرحمان السيوطي ” في شرح لكتاب ” الموطأ ” للإمام العالِم ” مالك بن أنس ” رضي الله عنه في باب ما جاء [ في عذاب العامة بعمل الخاصة ] :
1 • حدثني “مالك ” عن ” اسماعيل بن أبي حكيم ” : أنه سمع ” عمر بن عب العزيز ” يقول : { إنّ الله تبارك و تعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة ، و لكن إذا عمل المنكر جهارا استحقوا العقوبة كلهم } .
2 • و حدثني ” مالك ” أنه بلغه ، أنّ ” أم سلمة ” زوج النبي عليه أفضل الصلاة و السلام قالت : { يا رسول الله أنهلك و فينا الصالحون ؟ فقال رسول الله (ص) : نعم إذا كثر الخبث } .
إن من يسوس أمرنا و يقوم بشؤوننا هي الخاصة أي المسؤولين أي الحكومة و ما جاورها مركزيا ، جهويا ، اقليميا ، محليا ، و إنّ في سكوننا عن الخبث هو تزكية لأمرهم و تجاوزنا عنه يجعلنا في مقام استحقاقنا لهذه الوضعية ، حيث لم تعد الفوارق مجالية فقط أو مهنية بل الوضح أصبح ينحو نحو توجه قلة قليلة مراكمة نتائج الاستثمارات العمومية الضخمة سواء من تحت الطاولة أو الحصول على العطاءات ، فماذا تعني أنّ 12 مليار دولار ناتج خام وطني لسنة 2018 و لا تصل نتائجه إلى ” تازارين ” و لا إلى ” جرادة ” و لا ” دستات ” ولا ” تفرسين ” … إنه انعدام الكفاءة في تدبير شؤون العامة و التوجه نحو الحفاظ على توازنات رقعة الشطرنج الحكومية و امتيازاتها الحزبية و العائلية …
المغرب ليس مِلككم وحدكم لتوظيف أبنائكم و حدكم في ( سي دي جي ) و لا في المؤسسات العليا ذات الأجور و الامتيازات ، ليس لكم و حدكم ، إنها لجدتي المقهورة حول الكانون الأسود ، و الأرض ليست لمؤسساتكم الأخطبوطية وحدكم بل هي لجدي الذي أتعبته زراعة ” الفْصة ” حتى مات بالغصة ، و لعمي الذي قتله مرض الرئة و هو يحتضر بالمناجم هنا و هناك لتأخذوا الذهب و الفضة .. صحيح أنّ السماء لا تمطروها لكن من الأرض تأخذونها .
إن تقيم الثروات و توزيعها على المغاربة قاطبة تستلزم آلية كفئة ، و هو ما دعى له السلطان بالتالي هنا تكمن عقدة المنشار من الأسئلة التي تصاحبها الأرق و يصمت الجميع في سبيل كتمانها ، فهل : الحكومة تقبل بالكفاءات ؟ و هل المجالس الجهوية و الإقليمية و المحلية تقبل الكفاءات ..؟
قطعا لا ، لا يقبلون الكفاءات و الدليل القاطع لهذا هو تهميش كل الطاقات بالبلد و تعويضهم بالزبانية و الولاءات .. و هو ما أدى الى خلق حواشي حول ذوي القرار مستولدة بالولاء و ليس الأفكار ، مدعومة بالدم و القرابة عوض الإجتهاد و الابتكار ، مُتسلقة الحزبية الضيقة عوض العطاء … إنه فقدان لمفهوم خدمة الوطن و غروب بوصلة القيم العمومية و التفاني كما يدعوا لها الملك ، بالتالي أضحى لزاما القطع نهائيا مع هذه المسلكيات و خلق نقاش حقيقي و ليس نقاشات هامشية ، نقاش حول راهنية التنمية و الإقلاع الحقيقي للمغرب لتحدي الواقع المؤلم الذي لم يعد يُغطيه أحد .
فالوطن يعلى و لا يعلى عليه و لا داعي لتدبيج الكلمات و التحاليل الرنانة في المدح و ركوب كل الأمواج للحفاظ على امتيازات أشخاص كسالى و لا يقدمون أي شيء ، و من الضروري على الجميع امتلاك الجرأة لإعطاء اشارات قوية على انخراط الكل في مبادرات الإصلاح و حذف مجموعة من المجالس التي انتفت شروط تواجدها حيث تعتبر هدرا للمال العام و كفى من توزيع الكعكة و جبر الخواطر ، فالمغرب يكفيه برلمان بغرفة واحدة و لا داعي مادام هناك مجالس اقتصادية و اجتماعية ، و على الحكومة أن تتحمل مسؤولية تدبير شؤون البلاد بكل جرأة وواقعية و الخروج من منطق “عْطِيني نْعطِيكْ ” و الترضيات ، فقوة المعلومات و صبيبها الهائل الذي يصل لكل المغاربة لم يعد يتيح للحكومة المزيد من استبلاد هذا الشعب خاصة و أن المحيط الإقليمي يغلي و الشعوب وصلت الى النضج لتميز بين الغث و السمين ، فماذا أنتم فاعلون أيها الساسة ..؟
خُطب الملك واضحة ، مطالب الشعب واضحة ، أفليس بينكم رشيد ..؟ إنّ الكفاءات موجودة في كل القطاعات ففسحوا لها المجال و دعوها تعمل فشمس هذا الوطن من حق الجميع .. إنها لحظة مفصلية كما عبر عنها جلالة الملك ” لا تقبل التردد ” ، لن ندعو إلى مطاردة الساحرات و لن ندعو إلى اقامة المقاصل ، بل ندعو إلى تغيير حقيقي اجتمعت عليه كلمة الملك و الشعب ، إنها ” ثورة الملك و الشعب جديدة ” فلم يعد من المقبول قبول من يعضون على خيرات البلاد أن يستمروا في غيهم ، أنهلك و فينا الصالحون ..؟
فهبوا أيها الصالحون فالعيطة عْلِيْكُم دَابا .