تردٍ أخلاقي وكسوفَ ثقافي وخسوف حضاري !

هيئة التحرير4 سبتمبر 2019
تردٍ أخلاقي وكسوفَ ثقافي وخسوف حضاري !
حميد طولست

أمر مؤسف وخطير ما يعانيه الإنسان في مجتمعنا مع بعض التصرفات الرعناء التي لا تنم إلا عن قلة الحياء وسوء الذوق المرفوضة ، أخلاقيا ودينيا ، ولا يمكن قبوله حتى من الحمقى والمغفلين ، فبالأحرى من العقلاء الذين يفترض فيهم التحلي بالسلوك القويم ، وإثقان طرق التواصل الدبلوماسية ، ومعرفة بأدبيات الكلام ووقع النابي منه على النفوس ، وما يتركه في أعماقها من خذوش وندوب ، والتي من بينها استسهال التلفظ بنابي الكلام في الأماكن العامة ، دون مراعاة لحدود اللياقة واللباقة والتأدب  .

موجب هذه المقدمة هو واقعة مخجلة حضرت أطوارها المستفزة قبل أيام داخل القطار الرابط بين فاس والرباط ، والتي حدثت بسبب احتلال سيدة لمقعد خاص ببطل الواقعة ، والذي بدا من هندامه الأنيق ، ولحيته المشذبة ، وما يتأبطه من جرائد وكتب ، وتوهم الركاب أنه شخص مثقف ، وعلى علم ودراية بأن الإنسان مخبوء تحت لسانه ،كما يقال، وأن الكلام الجارح قوي الإساءة للنفوس الحساسة والقلوب الرقيقة ، لكن ظن الركاب خاب فيه،  وتغر توقعهم ، حين ظهر وجهه الحقيقي من تحت قناع مناقض لكل ما تصنع من صفاة الـ “جلتمنة”، بما أبانه من تصرف قبيح وسلوك فج أثناء حواره مع السيدة محترمة احتلت التي مقعده خطأ، والذي تفنن في ترصيعه بسفيه الكلام ، وتأثيثه بفاحش العبارات ، التي استرسل فيها بلا انقطاع ودون مشقة أو عناء أو احترام لمن قاسمه المقطورة من الركاب ، الذين انقسموا في أمره بين مستاء مندد بما لحقه من ازعاج وإهانة ، وبين غافل غير مبال بإستفزاز أو مضايقة ، وبين مستمتع مبتهج بما سمع من “المعيور” الجارح و”حشيان الهدرة” الخادشة للحياء ، والتعابير”الخايبة” تمحورت في مجملها حول الشتائم الجنسية  التنفيسية -التي تُروح عن النفس ، مثلها مثل الشتيمة الدينية –  الشائعة في موروثنا الثقافي الشفهي الشعبيي ، والتي يعتمد فيها ذكر الجهاز التناسلي لأم المشتوم أو أخته أو زوجته بشكل صريح ، لتأذية مشتومه والتقليل من هيبته وتحطيم معنوياته ، الأعضاء التناسلية الأنثوية ، التي بمجرد ذكرها بصريح العبارة أو بإيحاءات جسدية معروفة، تعتبر شتيمة وسبّةً مشينة ، يشعر معها المشتوم بالإهانة والإحساس بالإحتقار ، وكأن الجهاز التناسلي الأنثوي عيب في حد ذاته .

والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: لماذا الشتائم الجنسية منصبة فقط على العضو الأنثوي، دون العضو التناسلية المذكر الذي لا يعتبر ذكره سبة ولا تقليلا من الهيبة الاجتماعية لصاحبه ؟ وهذا لا يعني أنه لا توجد شتيمة أو سبة تلحق الاهانة بالرجل وتترك في نفسه أذى  أشد من الضرب الجسدي ، وتتعلق هي الأخرى بأعضائه التناسلية لكن بطريقة غير مباشرة ، وتتمحور في غالبيتها حول الشذوذ واللواط والضعف الجنسي والخصي ، كتلك ، كما في هجاء المتنبي لكافور الإخشيدي:

من كل رخو وكاء البطن منفتق:: لافي الرجال ولا النسوان معدود.

صار الخصي إمام الآبقين بها ::فالحر مستعبد والعبد معبـــــــــود .

ومن علم الأسود المخصي مكرمة::أقومه البيض أم آباؤه الصيد. ويبقى الدافع الرئيسي لكل هذه السلوكات المشينة هو الغضب ، ذاك الإحساس السلبي الذي تنتاب الإنسان وتؤثر على نفسه وجسده ، وينفجر بداخلهما في أي لحظة كالبركان ، نحو أيأمر لا يرضيه ، ويدخله ضمندوامات كثيرة من الأمراض الخطيرة المستعصية العلاج .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة