تاكسي نيوز / الحسن أبو عبيد
بدون زواق ولا مكياج ، وفي الوقت الذي كانت المحاكم تشكل غولا وشبحا مخيفا لكل مواطن يفكر في الذهاب إليها ، من أجل الحصول على وثيقة ما أو ان يقضي غرضا ما ، وخير مثال سنسرده من بني ملال ، ومن المحكمة الابتدائية التي عرفت تغييرا جدريا في مصالحها ، يجسد المفهوم الجديد للسلطة ، وقرب الادارة من المواطن .
فشاءت الأقدار أن أرافق سيدة من أسرتي أمية دعتني للذهاب معها للمحكمة ، بحكم اعتقادها بأن هذا المرفق كله شطط ، ولن تاخذ وثيقتها إلا بعد سير واجي .
فبمجرد دخولنا إلى باب المحكمة وجدنا عنصر من القوات المساعدة وعنصر من الأمن الخاص ، طلبا منا أن ندخل من باب المراقبة ، حسب الاجراءات الأمنية الجديدة ، سألناه عن مكتب السجل العدلي ، فرافقنا “المخزني” الى داخل المحكمة ، ونعت لنا المكتب ، فعلا توجهنا إليه ، ووجدنا به موظفة أخبرتنا بالوثائق اللازمة المطلوبة ، فكان ينقصنا الطابع البريدي من فائة 10 دراهم ، تركت السيدة بجانب المكتب ،وخرجت إلى محل “كيوسك” أمام المحكمة واقتنيته من هناك ، وعدت إلى الداخل ، فتسلمت منا الموظفة الوثائق وأخبرتنا بأن ننتظر لمدة ساعة فقط ، رغم أن هذه الوثيقة كانت في السابق تستغرق يومين على الأقل .
ونحن ننتظر ، لمحت محام صديق لي منذ أيام الدراسة في الطابق العلوي ، فأشار إلي ودعاني للصعود لرؤيته ، وفعلا صعدت الدرج وتوجهت نحوه ، وتعانقنا ، وتبادلنا أطراف الحديث ، فسألته عن الجو الذي يشتغلون فيه ،ليجيبني وهو يبتسم :” مشا دكشي لي تاتعرف اخويا الحسن ” ، واستطرد قائلا :” هاد لمكتب لي تاتشوف فيه قدامك ديال وكيل الملك ، شوف المواطنين شادين نوبة ، وتايدخلو ويستقبلهوم واحد بواحد ” .
وبينما أنا وصديقي المحامي “م” نتبادل أطراف الحديث فإذا بوكيل الملك يخرج من مكتبه ،وقال للشرطي دخلهوم واحدا واحدا ، وفعلا استقبلهم جميعا بشكل يؤكد المفهوم الجديد للسلطة ، فقال لي صديقي المحامي :” هالي قلت ليك ” ، فمرت سيدة من جانبي خرجت من مكتب الوكيل وهي تقول لرفيقتها أو ابنتها :” تبدلات لوقت بزاف وشوف لوكيل كيفاش هضر معنا بكل ادب”.
فنحن ننقل كل ما نصادفه أمامنا وليس دور الصحافة دائما الفضح ، ولا يقتصر عملها عند هذا الدور ، بل وعلى العكس فهي مطالبة أن تنور الرأي العام وتبلغه بكل ما يطرأ من تغيير على الادارات بكل أشكالها ، حتى لا تبقى تلك النظرة العدمية والدونية ، في مخيلة المواطن ، والتي خلفتها سنوات مضت من الشطط والقمع ،والتي قد يمارسها البعض ممن يحملون المسؤولية ، لكن وبدون نقاش لمسنا تغييرا حقيقيا في أغلب الادارات ،ساهمت فيه عدة عوامل ،أبرزها حقوق الانسان ، وانفتاح المسؤولين على محيطهم ، واخرها الخطاب الملكي السامي الذي كان حاسما .