البريد الالكتروني : avocat.maro.agh@gmail.com
( الصورة من الأرشيف)
تستعد وزارة الصحة للبدء في تنفيذ البروتوكل العلاجي الموصى به من طرف اللجنة العلمية الاستشارية الخاصة بفيروس كورونا المستجد، و الذي يقتضي علاج المصابين ب “كوفيد 19” اللذين لا تظهر عليهم أعراض المرض ، واللذين يستوفون الشروط الملائمة للعـزل لا سيما التوفر على غرفة فردية جيدة التهوية، وعدم وجود أشخاص في وضعية صحية هشة يقيمون مع المُصاب تحت سقف واحـد بالإضافة إلى شرط غياب عوامل الخطر المرتبطة بِكِـبـر السِن والأمراض المزمنة والحمل و الرضاعة.
ويأتي هذا القرار بعدما تزايد عدد حالات الإصابة المؤكدة بالفيروس التاجي خلال الأيام و الأسابيع الأخيرة حيث سُجل بتاريخ 5 غشت 2020 أثقل حصيلة إصابات في المغرب منذ ظهور الوباء بالبلاد في مارس الماضي و هي 1283 إصابة مؤكدة، و هو ما نتج عنه امتلاء المستشفيات العادية و الميدانية بنسبة تقترب من 90% وضغط كبير على مستوى أسِرة الإنعاش وأجهزة التنفس الاصطناعي.
وبطبيعة الحال فإن هذا القرار يُعتبر عاديا و منطقيا أمام انتشار القلق و الرهبة من اقتراب شبح السيناريو الإيطالي الذي تميز في إحدى الأوقات بعدم قدرة المستشفيات الإيطالية على استيعاب كافة المصابين لا سيما أولئك اللذين تتطلب وضعيتهم الصحية سريرا للإنعاش و جهازا للتنفس الاصطناعي، مما اضطرت معه الأطر الصحية الإيطالية آنذاك إلى الاختيار بين المصابين حسب سنهم و ترك الباقين لمصيرهم المحتوم، بل إن الخوف أصبح أيضا من إمكانية الوصول للسيناريو الذي تعيشه جُل دول أمريكا اللاتينية حيث يَسقط المواطنون في الشوارع بعدما تـتدهور حالتهم الصحية من جراء عدم اكتشاف إصابتهم بالفيروس و عدم خضوعهم لأي بروتوكول علاجي نتيجة لعدم قدرة المنظومة الصحية هناك على اكتشاف الكم الهائل من المصابين و التكفل بعلاجهم.
وبالرجوع إلى بروتوكول العلاج و العزل المنزلي، فإن الـتَـمَعُن في مضمونه وشروط تطبيقه يُـثِـيـرُ مجموعة من الإشكاليات العملية التي ستصطدم معها الأطر الصحية و التمريضية في تطبيق هذا البروتوكل. هذه الإشكاليات تنقسم إلى نوعين إذ فيها ما هـو مرتبط بالجانب اللوجيستيكي المتعلق بالسكن عند جل أفراد و أُسـر المجتمع المغربي، كما أن هناك إشكاليات مرتبطة بالعقلية السائدة داخل المجتمع المغربي بتقاليده و عاداته و كذلك قلة الوعي الجماعي لديه.
فأما بالنسبة للإشكاليات المرتبطة بالجانب اللوجيستيكي، فمعروف أن عديد الأسر المغربية تعيش ـ مع الأسف ـ في غرفة واحدة و مرحاض مشتركين مع الجيران وهي الظاهرة التي تعرف انتشارا كبيرا في جميع الأحياء الشعبية للمدن الكبرى لا سيما الدار البيضاء و طنجة و فاس و مراكش، و هي المدن التي تعرف تفشي كبير لفيروس كورونا، وبالتالي سيكون من المستحيل أمام هذا الوضع تطبيق شروط العزل الصحي و علاج أحد الأفراد المصابين بالفيروس.
كذلك، تعرف الأحياء الشعبية المكتظة بالمدن المغربية عموما، تواجد عائلات تعيش بشكل جماعي داخل منزل واحد إذ يتواجد فيه الجد و الجدة و بعض الأبناء و زوجاتهم و الأحفاذ حيث يعيش كل منهم بغرفة واحدة مع الاشتراك في الحمام و المرحاض، و هو ما سيطرح إشكالية تخصيص غرفة واحدة لأحد الأفراد في حالة إصابته بالفيروس و ضرورة خضوعه للعزل الصحي لا سيما أنه سيتواجد في نفس المنزل مع أشخاص يعانون من الهشاشة الصحية و كبر السن و سيتشارك معهم المعدات المنزلية و المرحاض و الحمام، مما سيشكل خطرا كبيرا على هذه الفئة.
في نفس السياق، معلوم أن المنازل في الأحياء العتيقة للمدن لا تستجيب لشروط التهوية الكافية و المتطلبة في بروتوكول العزل الصحي والعلاج المنزلي، إذ أن هذه المنازل القديمة لا تتوفر على نوافذ كبيرة لا سيما في الطابق الأرضي بل إن مجموعة من هذه المنازل تتواجد في دروب ضيقة مما يستحيل معه استفادتها من تهوية كافـيـة، و تبعا لذلك سَيَصعُـبُ بل يستحيل خضوع المصاب فيها للعزل الصحي و العلاج المنزلي.
وأما بالنسبة للإشكاليات المرتبطة بالعقلية السائدة داخل المجتمع المغربي بتقاليده و عاداته، فمعلوم أن مسألة زيارة المريض بمنزله و الجلوس معه لساعات طوال و احتساء الشاي و القهوة والحلويات هو من المسائل التي يعتبرها أغلب أفراد المجتمع المغربي من الواجبات المجتمعية التي لا يجوز التنازل عنها تحت أية ظروف، و هو ما سيطرح إشكالية مراقبة خضوع الشخص المصاب لشروط العزل الصحي المنزلي و عدم اختلاطه مع الجيران و الأقارب، فـهـل سيتم تكليف أفراد من القوات العمومية بحراسة المنازل التي يتواجد بها مصابون ؟ طبعا هذا الأمر سيكون من الصعب تصوره نظرا للمهام الأخرى الموكـولة للقوات العمومية من حفظ الأمن و تنظيم مختلف الأماكن العمومية إلى غير ذلك من المهام التي تضاعـفت خلال فترة الطوارئ الصحية المستمرة في البلاد.
كذلك، و قبل خضوعه لبروتوكول العـزل والعلاج المنزلي، قـد يقوم المصاب بالتوقيع و المصادقة على وثيقة يلتزم بموجبها بالخضوع للبروتوكول و اتباع نصائح و إرشادات الأطر الصحية المُتكَـفِـلة به، لكن هذا الأمر سيطرح إشكالية مراقبة تطبيق ذلك داخل المنزل طيلة فترة العـزل و العلاج إذ في غياب ضمانات الالتزام فإنه سيكون من الصعب تصور تَـقَـيُـد المصاب بشكل صارم بنصائح و إرشادات الطـبـيـب المُعالِج، لا سيما أمام قلة الوعي الجماعي داخل غالبية المجتمع و هو ما لاحظناه طيلة فترة الحجر الصحي العام و خاصة بعد ذلك عند الرفع التدريـجـي منه حيث يُلاحظ تَسَمُر مجموعة من المتقاعدين المُستهترين بالمقاهـي دون اعتبار لأبسط شروط الوقاية رغم كِـبَـر سنهم و هم المفروض أنهم يتوفرون على درجة من الوعي إلا أن سلوكهم يُثبت عكس ذلك، كما يُلاحظ استهتار الشباب بالإجراءات الحاجزية لا سيما في الشواطئ و المقاهي و المطاعم و حتى في الشوارع، بالإضافة إلى الاكتظاظ بوسائل النقل العمومي و أمام الإدارات و المؤسسات الخاصة والأسواق، ناهيك على تنظيم مناسبات العزاء و حفلات الزواج بشكل سري حيث تُطلعنا الصحف على ضبط بعض هؤلاء المستهترين من طرف السلطات العمومية، و هو ما يُسائِل الوعي الجماعي و يُنذر بصعوبة مساهمة الأفراد في نجاح بروتوكول العلاج و العزل لمنزلي أمام عدم قدرة المجتمع على استيعاب الوضع الجديد الذي يُسمى ب le nouveau normal » « والذي سيستمـر لمدة غير محددة حسب منظمة الصحة العالمية.
إذن، وأمام هذه الإشكاليات التي ستعترض تطبيق برتوكول العلاج والعزل المنزلي، فإن الرهان يبقى على تكثيف برامج التوعية بالقنوات التلـفـزية والإذاعات و مساهمة المجتمع المدني في التوعية على أرض الواقع داخل الأحياء الشعبية، بالإضافة طبعا إلى مزيد من الصرامة في تطبيق القانون في حق المستهترين الذين يهددون الوضع الصحي بالبلاد من خلال عدم التزامهم بالتدابير الوقائية و شروط السلامة الصحية، الشيئ الذي يتسبب في إنهاك الأطر الصحية و رجال و نساء القوة العمومية و مختلف المتدخلين في منظومة مواجهة الجائحة والتصدي لها، و الكل على أمــل إدراك غالبية أفراد المجتمع للواقع الجديد و مساهمتهم في الحد من تفشي فيروس كورونا المستجد من خلال تَـبَـنـِي السلوكيات الصحيحة و الوقائية، و مراجعة البِنية الثقافية التي تعاني من الجهل و طغيان تـقـالـيـد و عادات مُهـتـرئة، لا سيما أن المغرب على أبواب انطلاق الموسم الدراسي و الجامعي الجديد و هو التحدي الكبـيـر الذي يتعين رفعه في الأسابيع القادمة.