البريد الالكتروني : avocat.maro.agh@gmail.com
لـيـس من شك أن الرأي العام الوطني كان ينتظر القرارات التي ستخرج بها وزارة التربية التعليم بخصوص تدبير الدخول المدرسي برسم الموسم الدراسي 2020ـ2021 والذي يحل في ظروف تعرف تفشي غير مسبوق لفيروس كورونا المستجد في جميع جهات و أقاليم المغرب يوازيه ارتفاع لعـدد الوفيات اليومية و ضغط كبير على المستشفيات و أقسام العناية المركزة بالإضافة إلى إغلاق أكبر المدن المغربية و التي تعرف تجمعات سكانية كبيرة جدا.
وبالفعل، أصدرت الوزارة مساء يوم السبت 22 غشت 2020 بلاغا يتضمن مجموعة من القرارات المُؤطِرة لعملية الدخول المدرسي المقبل، و هي القرارات التي أثارت مجموعة من ردود الفعل على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي التي تعبر عن تخوف أولياء الأمور و غموض الرؤية بشكل عام، على اعتبار أن القرارات المذكورة سَتَـطـرَحُ عددا من الإشكاليات العملية التي من شأنها المساس بعملية التحصيل الدراسي و مبدأ تكافؤ الفرص و جودة التعليم و التكوين.
تتمثل أولى هذه الإشكاليات في إقرار الاعتماد على “التعليم عن بُعد” كصيغة تربوية في بداية الموسم الدراسي 2020ـ2021 والذي سينطلق بتاريخ 7 شتنبر 2020، حيث أبانت التجربة السابقة لهذا النوع من التعليم على ضعف جودته بشكل كبير و عدم استفادة نسبة كبيرة من التلاميذ منه لا سيما أولئك المنتمين للفئات الفقيرة و الهشة غير المرتبطين بشبكة الانترنيت أو غير المتوفرين على حاسوب أصلا و كذا تلاميذ المناطق النائية الذين تعرف مناطقهم من عدم وجود صبيب للانترنيت بل و انعدام شبكة الربط بالكهرباء أصلا، كما أن فئة كبيرة من التلاميذ لا تسمح ظروف سكناهم بالدراسة حيث يتواجدون بأحياء شعبية تتميز بكثرة الضجيج و المرافق المشتركة بين العائلات و عادات وتقاليد الاختلاط الاجتماعي بسبب أو بدونه.
كذلك، من بين القرارات المتخذة، هناك تخيـيـر أولياء الأمور بين التعليم عن بعد والتعليم الحضوري، و هو ما سيطرح إشكاليات أخرى لعل أبرزها هو انعدام مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ لا سيما في ظل انعدام جودة التعليم عن بُعد و صعوبات استفادة الجميع منه على قدم المواساة، بل الأكثر من ذلك فقد اشترطت الوزارة على الراغبين في الاستفادة من الـتعـلـيـم الحضوري التعــبـيـر اختيار هذه الصيغة على أن يتم وضع آلية تمكن الأسـر الراغبة في ذلك من التعبير عن هذا الاختيار، بمعنى أن ولي الأمر الراغب في متابعة ابنه للتعليم حضوريا سيكون مُلزما بالتوقيع على وثيقة يتحمل بموجبها تبعات هذا الاختيار مما من شأنه إعفاء الوزارة بالنسبة لقطاع التعليم العمومي و مؤسسات التعليم الخصوصي بالنسبة للقطاع الخاص من تحمل مسؤولية إصابة التلاميذ بمؤسساتهم بعدوى فيروس كورونا المستجد لا قدر الله، لأن الوزارة و معها مؤسسات التعليم الخصوصي ستدفع أمام القضاء بمقتضيات الفصل 230 من قانون الالتزامات و العقود و قاعدة العقد شريعة المتعاقدين…
في نفس السياق، ستطرح إمكانية الاختيار المُتاحة لأولياء الأمور إشكاليات أخرى تتعلق بنتائج هذا الاختيار، و كمثال على ذلك يمكن طرح الأسئلة التالية : ماذا لو قام 90% من أولياء الأمور في منطقة تعرف تواجد عدد من الأحياء الشعبية المكتظة بالساكنة باختيار التعليم الحضوري ؟ فهل من الممكن عمليا فرض إجراءات التباعد الاجتماعي بين الطاولات داخل الأقسام و كفاية الطاة الاستيعابية للمؤسسة المعنية ؟ و ماذا عن الأساتذة الذين سيكون مضطرين في نفس الوقت إلى تلقين الدروس حضوريا و عن بُعد في ظل اختيار محتمل لمجموعة من أولياء الأمور لصيغة التعليم عن بُعد لأبنائهم ؟ ثم إنه بالنسبة للدوس التطبيقية التي تتطلب حضور التلاميذ بالمختبرات لا سيما ما يتعلق بدروس الفيزياء و الكيمياء و العلوم الطبيعية فكيف يمكن تصور إستفادة التلاميذ من هذه الدروس التطبيقية عن بُعد ؟ وثم على النقيض من ذلك، ماذا لو اختار 95% من أولياء الأمور صيغة التعليم عن بُعد لأبنائهم بمؤسسة تعليمية معينة فهل سيتم تدريس 5% المتبقية من التلاميذ حضوريا و تشغيل المؤسسة التعليمية وأطرها التدريسية و التربوية من أجل تدريس و مراقبة عدد قليل جدا من التلاميذ ؟ أما بالنسبة لقطاع التعليم الخصوصي فهل من المتصور قبول أولياء الأمور لصيغة التدريس عن بُعد من جديد في ظل النزاعات التي تسبب فيها هذا النوع من التعليم لما طالب أرباب المدارس الخصوصية أولياء الأمور بأداء واجبات التمدرس و النقل و المطعمة طيلة فترة الحجر الصحي التي عرفت اعتماد صيغة التعليم عن بُعد، و هي النزاعات التي ما فتئت تـتـزايد في الأسابيع الأخيرة من خلال تسجيل دعاوى استعجالية من طرف أولياء الأمور في مواجهة المدارس الخصوصية التي رفضت تمكينهم من شواهد المغادرة و النتائج المتعلقة بأبنائهم التلاميذ ؟ ثم إن أغلب أولياء الأمور الذين يلجأون للتعليم الخصوصي فإن من بين الأسباب الدافعة لذلك هي رغبتهم في تكليف المؤسسة الخاصة بحضانة أبنائهم و مراقبتهم طيلة اليوم بينما هم في مقرات عملهم، و هو الأمر غير الممكن مع التعليم عن بُعـد.. إلى غير ذلك من الإشكاليات العملية التي ستُطرح في الأيام و الأسابيع المقبلة.
من ناحية أخرى، قـررت الوزارة تأجيل امتحانات الأولى باكالوريا إلى وقت لاحق، بعدما كانت مقررة في بداية شهر شتنبر المقبل، و بررت الوزارة في بلاغها قرارها هذا بالحالة الوبائية المقلقة التي تعيشها بلادنا، و هو القرار الذي سيطرح إشكالية عملية أخرى بحيث سيجد هؤلاء التلاميذ أنفسهم تائهين بين التركيز على تحضيرات مواد امتحان الأولى باكالوريا – الامتحان الجهوي الموحد ـ المؤجل إلى وقت لاحق وغير مسمى، و بين متابعة دروس السنة الثانية باكالوريا التي ستنطلق في شتنبـر.
كذلك، يُلاحظ إغفال الوزارة اتخاذ أي قرار بخصوص الدخول الجامعي إذ لا زال الطلبة في انتظار يطبعه الخوف بخصوص مستقبلهم الجامعي لا سيما أنهم لم يجتازوا أصلا امتحانات الدورة الربيعية من الموسم الجامعي الماضي، زد على ذلك عدم وضوح الرؤية بخصوص طريقة و صيغة متابعتهم للدروس بالنسبة للموسم الجامعي المقبل الذي تفصلنا عنه أيام قليلة..
إذن، وأمام هذه الإشكاليات التي َستُـــمَـيِـز الدخول المدرسي المقبل، فإن المتتبع لأوضاع البلاد و القرارات المتخذة منذ بدء الرفع التدريجي للحجر الصحي سَيُلاحِظَ أن حال بلادنا و ما وصلت إليه ما هو إلا نتيجة عادية لمجموعة من القرارات التي أعطت الأسبقية للثانوي على حساب الضروري، ذلك أن التطور المهور لأعداد المصابين و الوفيات من جراء فيروس كورونا و الضغط الذي تعرفه المستشفيات، حيث كان من الأجدر منع ولوج الشواطئ و إغلاق المطاعم و المقاهي التي لا تحترم البروتوكل الوقائي بشكل صارم ـ و ما أكثرها ـ، كما كان من الأجدر عدم إقامة عيد الأضحى هذه السنة باعتباره سُنَة مؤكدة ـ أي غير واجبة شرعا حتى في الظروف العادية ـ و بالتالي تفادي الطقوس المرتبطة بهذه المناسبة التي تتميز بكثرة التنقلات بين المدن و القرى و الاختلاط في الأسواق و التجمعات العائلية، مما تسبب في انتشار واسع للفيروس التاجي في أقاليم و مدن و قرى كانت إلى الأمس القريب في منأى عنه كما هو الحال بالنسبة لبني ملال و صفرو و تازة و تادلة وسيدي قاسم و الحسيمة و الرباط و سطات و الحاجب إلى غير ذلك، بالإضافة إلى تأزيم الوضعية الوبائية للمدن الكبرى التي كانت موبوءة فيما قبل كالدار البيضاء و مراكش و فاس و طنجة .. و بالتالي فإن إهمال الضروري ( تحضير الدخول المدرسي.. ) في مقابل التمسك بالثانوي ( العيد و العطلة و العادات و التقاليد المجتمعية البالية..) لا يمكن إلا أن يؤدي للوضع الوبائي المقلق الذي تعيشه البلاد و الذي سيطرح إشكاليات عملية متعددة سَـتُـصعِـبُ كثيرا من عملية الدخول المدرسي لهذا الموسم.
حسن جدا. التعليق في الصميم. لو كان إلغاء عيد الأضحى و غلق جميع الشواطئ و جميع المتنزهات و الخروج من المنازل إلا لغرض ما أي في الحالة القصوى و إحترام تعليمات وزارة الصحة لما وصلنا إلى هذه الكارثة.