عبد الكريم جلال
تماشيا وسياسة مركز معابر للدراسات في التاريخ والتراث الجهوي بجهة بني ملال خنيفرة الرامية إلى النبش في التراث الجهوي والتعريف به، وصيانته وحمايته من الإندثار والتلاشي، وبالتالي جمعه وتثمينه، باعتباره مكونا مركزيا من مكونات الهوية الثقافية للجهة، وباعتباره جزء من الذاكرة الجماعية… نظم أعضاء المركز في الأيام القليلة الماضية رحلة علمية وتضامنية مع ساكنة مناطق جبال الأطلس الكبير المركزي: زاوية أحنصال- أيت بوكماز- أيت بولي- أيت بلال، تزامنا وجائحة كوفيد، هذه الجائحة التي حلت بالبلاد وأثرت على العباد كسائر أقطار المعمور، بهدف استئناف ما تم تسطيره من قبل المركز في مشروعه العلمي والتنموي، وفرصة كذلك لإعادة ربط الصلة مع ساكنة المنطقة خاصة مع بعض الفاعلين الجمعويين، والنشطاء في العمل التعاوني والمساهمين في الإقتصاد التضامني والإجتماعي، خاصة النساء منهم، والمحافظين من خلال منتجاتهم التقليدية على التراث الثقافي للإقليم. وهو التراث الذي يدخل ضمن الإهتمامات العلمية للمركز، وذلك بالبحث عن عمقه التاريخي وأبعاده الأنثروبولوجية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية… وعن الثابت والمتحول فيه، والعمل على تثمينه والمحافظة عليه وإدراجه في مشاريع تنموية هادفة.
منذ إنطلاق الرحلة من بني ملال في اتجاه أزيلال ثم منطقة زاوية أحنصال التي دام المقام بها لمدة يومين لما تتظمنه من تراث يستحق أيام وشهور لجرده والتعريف به، وعلى سبيل المثال لا الحصر المخازن الجماعية وزاوية سيدي سعيد أحنصال التي لعبت أدوارا طلائعية خلال القرون الماضية، ولكنها اليوم تستحق التفاتة عاجلة، رغم تواجدها في منطقة تمتاز بجمال طبيعي خلاب، وموقع متميز وسط جبال الأطلس الكبير المركزي.
وفي اليوم الثاني انطلقت القافلة صوب مركز أيت بوكماز حيث قام أعضاء المركز بزيارة بعض التعاونيات النشيطة في المنتوجات التقليدية من زعفران ونسيج (زرابي) ومواد غذائية… حيث قدمت الأستاذة سعاد بلحسين، باسم المركز، بعض المساعدات (منح مالية) لبعض هذه التعاونيات. كما قام أعضاء المركز بزيارة للسوق الأسبوعي الذي يقام يوم الأحد للمزيد من التعرف على أهم منتوجات الصناعة التقليدية المعروضة والتي تعكس البعد الأنثروبولوجي والثقافي لهاته الساكنة.
كما كانت هذه الرحلة مهمة لأعضاء المركز لأنها تهدف إلى بلورة فكرة شمولية عن تراث المنطقة المادي والغير المادي، والذي يستمد غناه من عمقه الزماني وبعده المجالي، وبقدر ما هو وليد مهارات محلية، بقدر ما كان متأثرا بثقافة وافدة من أقاليم أخرى خاصة الأقاليم الصحراوية. وفي هذا السياق قام الأساتذة الباحثون بزيارة بعض المعابر التي لعبت وما زالت تلعب أدوارا كبيرة في خلق امتدادات بين الأقاليم الجنوبية ومناطق الأطلس الكبير المركزي، وخاصة معبر تيزي نايت إيمي المحاذي لجبل مكون والرابط بين جهتي بني ملال خنيفرة ودرعة تافيلالت عبر طريق جديد، يعتبر باعثا لإحياء العلاقات الودية التي تجمع بين الجهتين والتي تضرب بجذورها في عمق التاريخ، حيث بات من السهل على مناطق تنغير وقلعة مكونة التي لا تفصلها إلا كيلوميترات معدودة عن هذا المعبر… ولوج جهة بني ملال خنيفرة وما يرافق ذلك تبادل للسلع والمنتوجات والأفكار والعادات والتقاليد… ولما لا استغلال هذه المناظر الطبيعية الخلابة في السياحة الجبلية والثقافية.
أما في اليوم الأخير فقد كانت الوجهة: مركز أيت بلال، هذه المنطقة التي تتميز بروحانيتها وقدسية مجالها، والدليل على ذلك تواجد مدرسة لحفظ القرآن الكريم، والتي اغتنم أعضاء المركز الفرصة لزيارتها بذات المناسبة. هذا المكان الذي يحتوي على المئات من طلبة علوم الفقه والسنة والشريعة… ومما أثار انتباه الجميع حسن تسيير وتدبير المدرسة المحكم ونظافة المكان، وترتيبه من كل النواحي، ناهيك عن الطلبة الذين عاينهم الجميع وسط المسجد وهم يتلون الأوراد بصوت خاشع، رغم أن الزيارة كانت مفاجئة، لكنها مبهجة، تستدعي الإحتداء بها وتشجيع القائمين عليها. وبذات المناسبة ألقت الأستاذة سعاد بلحسين كلمة شكر وتقدير في حق مسؤولي المدرسة القرآنية وطلبتها وخلالها شجعت الطلبة على المزيد من العطاء والإحتداء بالرسول الكريم في الإنفتاح على قيم التسامح والتضامن والتعايش، والعمل على إزالة الحقد والكراهية، بعيدا عن التعصب والتطرف… ولتشجيعهم قدمت رئيسة المركز هبة إنسانية للقائمين على المدرسة. كما تقدم الشيخ المسؤول عن المدرسة بكلمة ترحيبية تخللتها أدعية خيرية للجميع ختمت برفع الدعاء الصالح لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله.
عموما لقد كانت الرحلة فرصة التقى خلالها أعضاء المركز ببعض الفعاليات من المجتمع المدني والشيوخ والأعيان… والتي قدمت مجموعة من الشروحات حول جملة من المفاهيم المرتبطة بتاريخ وتراث المنطقة، على مستوى التعريفات والمفاهيم المرتبطة بالتنوع والتعدد الذي يكتسيه تراتها، وعلاقته بمجاله وساكنته وأهم خصوصياتها، التي تعكس ذهنيات ومعتقدات ومهارات وسلوكات تنبثق من المعيش اليومي للساكنة، بما يفسر علاقة الإنسان بالمجال في محاولة لتطويعه من أجل ممكنات وحاجيات العيش، والتي حتما سيستفيد منها البحث العلمي وستكون أرضية للطلبة الذين سينجزون بحوثا بهذا المجال.