عبد الغني جزولي – تاكسي نيوز(الصورة تعبيرية من الارشيف)
لا يمكن الحديث عن فن العيطة بالمغرب دون استحضار ذكرى الشاعرة والمقاومة الملالية ، ” امباركة بنت حمو البهيشية ” ، التي عرفت باسم ” النيرية ” ، صاحبة قصيدة ” الشجعان “” ، كانت صوتا للمقاومة في منطقة بني ملال إبان فترة الاستعمار الفرنسي في بداية القرن الماضي ، فارسة وشاعرة ومقاومة لايشق لها غبار ، تركت بصمتها في تاريخ منطقة تادلة والأطلس المتوسط ، و تفوقت بشجاعتها ورباطة جأشها على الرجال ، فحق فيها قول الكاتب و الروائي الفلسطيني غسان كنفاني : ” للفن و الأدب قوة توازي السلاح في محاربة العدو ” ، فما هي قصة امباركة بنت حمو الهبيشية ؟
أشار بعض المؤرخين في كتاباتهم حول قصة ” النيرية ” ، أنها مقاومة شجاعة تنحدر من قبيلة بني معدان ، ناضلت من أجل تحرير وطنها ، واتصفت بصفات قلما نجدها حتى عند الرجال ، عرف عنها خروجها مع المقاومين ، وحرصها الشديد على شحد هممهم ، وحتهم على خوض المعارك وعدم الفرار منها ، فكانت تحمل معها الحناء لتلطخ بها وجه من يحاول الفرار من أرض المعركة ، ليعلم جميع من في القبيلة بجبنه وتخادله عن خوض القتال ، كانت النيرية تحظى بمكانة تليق بالمرأة المغربية الثائرة والمناهضة لتكالب المستعمر على البلاد والعباد ، لعبت قصائدها دورا كبيرا في التأريخ لأحداث حركة الجهاد والمقاومة ضد الفرنسيين على امتداد منطقة زعير حتى سهل تادلة ، لم يذكر المؤرخون تاريخ ولادتها، ولا تاريخ وفاتها ، أو ظروف عيشها .
تبقى قصيدة ” الشجعان ” من أشهر ما نظمت ” النيرية ” ، وجل كلماتها تحكي عن أحداث شهدتها مناطق الرحامنة وبني ملال والسراغنة وتادلة ، كانت أبياتها تنتشر بين القبائل ويرددها الكبير والصغير ، ما أعطى للمقاومين دفعة معنوية كبيرة حرضتهم على القتال والثبات على أرض المعارك ، فتارة تستنهض هممهم كقولها مثلا :
تحزموا وكونوا رجالة
ياودي كونوا عوالين
مشات برا لفم الجمعة
لا خزانة لا عود بقا
وفين عزك آلقصيبة
وتارة تعاتب من يصفها بأنها مجرد امرأة ، ليس لديها ما تخسره ، عكس الرجال ، فتجيبهم بأنها فتاة عذراء في أوج شبابها ، وهذا لم يثنيها عن الخروج للقتال جنبا لجنب مع المقاومين ، فكان جمالها وعذريتها حجة ضد من يتقاعس عن المشاركة في المعارك ضد العدو ، لا حجة ضدها هي ، لو أن كلامها صدر عن عجوز طاعنة في السن ، لا قيل بأنها زهدت في الدنيا ، وتساوى عندها الموت بالحياة ، وهكذا لن يكون لنضالها أي معنى :
كالتها ذيك النيرية
ياك عزبة ودريرية
محزمة بالسيف والتحتية
واش علام الخيل يفوت؟
واش عشاق الزين يموت ؟
وإلا اخيابت دابا تزيان
ودابا مول الحق يبان
اللي بغى اللامة يتعامى
يصبر للومة وكلام الناس
كلام الناس خيط بلا ساس
لقد جعلت” قصيدة الشجعان ” من امباركة بنت حمو الهبيشية ، رمزا للنضال والمقاومة ، فاستحقت بذلك لقب الشاعرة والفارسة ، حظيت باحترام كبير بين قبائل تادلة و بني ملال ، لما عرفت به عندهم ، من شجاعة وإقدام في الدفاع عن أرضها وشرفها ، وقد لعبت دورا هاما في حفظ جزء مهم من ذاكرة المقاومة في المنطقة ، من خلال أشعارها التي تغنى بها كبار شيوخ العيطة في المغرب .