إعداد :عبد العزيز المولوع
تجددت معاناة سكان العديد من الجماعات القروية الواقعة بجبال ازيلال مع موجات البرد والصقيع والتساقطات الثلجية، التي تشل أنشطتهم اليومية وتقيد حركيتهم، ليرغموا على البقاء في بيوتهم المتواضعة، درءا لتبعات انخفاض درجات الحرارة، التي تصل هذه الأيام إلى معدلات تحت الصفر.
ساكنة معظم جماعات اقليم ازيلال ( انركي – تيلوكيت – زاوية احنصال – ايت تمليل – ايت امديس- ايت امحمد – ايت عباس – ايت بلال …) ، لا همّٓ لهم عدا التفكير والانشغال باقتناء حطب التدفئة لمواجهة المناخ الصعب المتميز بالبرد القارس والصقيع المهيمنين خلال فصل الشتاء، حيث تعرف مستودعات بيع الحطب إقبالا كبيرا عليها، بدافع التخوف من ارتفاع ثمن الحطب أو انعدامه.
ادخنة المدافئ اعتلت سماء معظم قرى ومراكز اقليم ازيلال ، و تسربلت مختلف المرتفعات بالثلوج ، ودب البرد القارس في اجساد الصغار و الكبار ، و سار العيش في منطقة ترتفع عن سطح البحر بين 1200 متر و3000 متر اصعب من اي وقت من السنة ، اصبح اقليم ازيلال و ضواحيه يكتوي بنار البرد وما يخلفه من استنزاف لجيوب المواطنين البسطاء من حطب للتدفئة و اغدية مناسبة و ادوية مضادة لنزلات البرد ومصاريف الحياة الاعتيادية ، وبات الهم الاكبر المشترك يرخي بديوله على اسر تعيش خارج الممكن ، في نقط متفرقة من اعماق جبال الاطلس المتوسط ، حيث يتعدى تعدادهم الارقام الرسمية ، موتى و مرضى و حصار و ضياع .
ففي مثل هذه الفترة من كل سنة و على مدى ستة اشهر تعيش المنطقة وضعا مزريا ، خاصة في اعالي الجبال و بتلك القرى و الدواوير اهلها اصبحوا في محن كثيرة مند الايام الاولى من تساقط الامطار و الثلوج ، لتبدأ رحلة البحث عن التدفئة و اقتناء المؤونة و كل ما يلزم لمقاومة قساوة البرد و الحياة ، اد ان اقل من 20 سنتمتر من التساقطات الثلجية كافية لاغلاق كل منافذ عدد من مراكز الجماعات و القرى و الدواوير بالاقليم ، حيث تنقطع الطرق و السبل على الالاف من ساكنة نقط متعددة باقليم ازيلال ، وخاصة تلك المعلقة في جبالها .فانخفاض درجات الحرارة الى مستويات قياسية بالمنطقة تربك أوراق العديد من السكان ، وتتلف حساباتهم و تقديراتهم لمصاريف الفصل ، وتعطل مصالح الكثيرين ، كانت أقوى من طاقة العديد من الموطنين الدين عبروا عن هدا الوضع ، ففي شتاء المنطقة تصاب بالألم الشديد، ويتلون وجهك بكل ألوان الطيف، وينكمش جسدك كورقة بالية رمى بها الزمن، فلا التلميذ يقوى على حمل قلمه، و لا الفلاح يستطيع القبض على معوله، و لا الأم يسعفها انخفاض دراجة الحرارة في أن تحضر الطعام .
التدفئة هم جماعي
فعلى مدى 180 يوما تقريبا يكون سكان جبال اقليم ازيلال في محاولات حثيثة للبحث عن الدفء عن طريق اقتناء لوازم دلك ، فوسائل التدفئة وحدها الكفيلة لإعادة الحرارة إلى معدلتها الشبه عادية ، خاصة أن وسائل التدفئة سواء العصرية أو التقليدية تكون حرارتها ممركزة في المكان الذي توجد به ، فيما تبقى الفضاءات الأخرى للمنازل تقبع تحت البرد و يصعب الجلوس فيها.التدفئة همّ جماعي لساكنة المناطق الجبلية ، تنشغل بذلك قبل دخول فصل الشتاء، والكل يتعبأ لهذه الفترة الحرجة من السنة، هنا يمكنك أن تنام من دون تناول وجبة العشاء، لكن من الصعب عليك أن تغمض عينيك من شدة البرد. تساقط الثلوج يزيد من تفاقم عزلة بعض المناطق، فيما تجد بعض الفئات نفسها في شبه عراء تام تحت درجة حرارة تصل إلى ما دون الصفر”.. هكذا يحكي بعض أبناء قرى ايت عبي بتيلوكيت وايت عبدي بزاوية احنصال وايت بولمان بانركي بمرارة .
معاناة التلاميذ تتفاقم والدراسة تتوقف
يكابد التلاميذ المعاناة مع البرد القارس بصمت في ظل هشاشة مجموعة من المؤسسات التعليمية ببعض الفرعيات، وكذلك تفشي الفقر الذي يجعل الآباء غير قادرين على توفير الملابس الواقية من البرد لأبنائهم، أو حتى توفير التغذية التي تعطيهم الطاقة اللازمة لمواجهة قساوة الطقس، ما يؤثر على التحصيل الدراسي. فبالرغم من أن وزارة التربية الوطنية لجأت مؤخرا إلى توفير وسائل التدفئة بالمؤسسات التعليمية، فإن هذا المنتوج يواجه بالرفض من طرف رجال التعليم وكذلك التلاميذ، نظرا لتداعياته الصحية .
تساقط الثلوج في بعض القرى في اعالي جبال ازيلال، يتسبب في انقطاع الدراسة لمدة قد تصل إلى شهر واحد أحيانا،نظرا لانقطاع الطرق وعودة الشعاب والاودية فرغم توفر كاسحات الثلوج، إلا أنها تكون غير قادرة عن فك الحصار عن الدواوير يالسرعة المطلوبة في ظل شساعة الاقليم ومحدودية الامكانيات المتاحة لذلك فمديرية التجهيز لاتتعدى عدد كاسحات الثاو جبها عدد اصابع اليد الواحد فلولا مجهودات المجلس الاقليمي وعمالة ازيلال التي تضطر الى اكتراء المعدات المخصصة لذلك لظلت العزلة شهور عديدة ، وفي طريقنا لجماعة انركي صادفنا كاسحة للثلوج في الطريق اجبرتنا على التوقف لساعات ريثما فتحت الطريق امام وسائل النقل هذه الكاسحة لا تقوم فقط بازاحة الثلوج لكنها تقتلع ايضا ما تبقى من الطريق المعبد والذي قد يصبح مسلكا اذا ما استمرت الامور على حالها لذا يجب توفير الامكانيات المتاحة لازاحة الثلوج وكذا الاملاح المخصصة لذلك من اجل فتح الطرق والمحافظة عليها .
شهداء الثلوج والصحة الموبوؤة
يحكي بعض السكان بتينكارف ايت عبدي جماعة زاوية احنصال ماسيهم خلال هده التساقطات الثلجية احداثا ماساوية وقعت لهم .عن مرضاهم الدين يتقاسمون نفس وسائل النقل مع الموتى حيث يحملون على النعوش لمسافات طويلة وكثيرا ما مايرجع المريض ميتا بسبب بعد المستشفيات وضعف الخدمات والاهمال والاستهتار بالمرضى .اما النساء الحوامل فكثير ا ما يضعن مواليدهن في الطريق ويفقدنهن بسبب البرد القارس او ينضفن الى قائمة شهيدات الثلوج فكل سنة تسجل حالات وفيات في صفوف النساء الحوامل هذه السنة سجلت بدورها حالة وفاة لشابة من جماعة ايت عباس في عقدها الثاني بعدما فارقت الحياة نهاية الاسبوع المنصرم ،وهي حامل تعذر معه نقلها للمستشفى بسبب الثلوج الكثيفة التي تساقطت على المنطقة الجبلية.
و أظهر شريط فيديو نشر على الإنترنت ،ساكنة المنطقة وهم يحملون نعش الراحلة العشرينية ،و يحفرون قبرها في جو بارد و ثلوج لم تنقطع عن السقوط طوال الأيام الماضية.و قالت أسرة الفتاة التي توفيت وهي في مخاض الولادة أنها حاولت نقلها إلى أقرب مركز للولادة والذي يبعد عن المنطقة بأكثر من 22 كيلومتر، إلا أن صعوبة المسالك الطرقية، بسبب الظروف الجوية ،دفعت بها للإستعانة فقط بـ”قابلة” لتضع جنينها و لتسلم هي روحها لبارئها.
و أضاف أفراد عائلة الشابة الراحلة أنهم حاولوا الإتصال بالسلطات قصد إحضار سيارة إسعاف،بعد تزايد معاناة الفتاة مع مخاضة الولادة ، إلا أن المسعفين حاصرتهم الثلوج الأمر الذي حال دون وصولهم إلى المنزل و إنقاذ الراحلة،التي ودعت الحياة دون أن ترى جنينها.
معاناة الاطفال لا تختلف عن النساء والمسنين فالكل يواجه نزلات البرد وتبعاته المرضية ، فرغم احداث المستشفى الميداني العسكري بامر ملكي وما يقوم به من مجهودات استحسنها المواطنون ، الا ان ساكنة اعالي الجبل تعاني الويلات في ظل انقطاع الطرق وانخفاض درجات الحرارة بشكل لم يسبق له مثيل خلال السنوات الماضية . وأمام صعوبة الولوج إلى الخدمات الصحية بهذه المناطق يبقى العلاج التقليدي لمواجهة نزلات البرد الحادة أفضل الطرق للعلاج التقليدي ضد البرد بالمنطقة، كشرب البيض الطازج، الحليب الساخن، السانوج، حبة الرشاد، زيت الزيتون، والعسل.
موارد العيش …مخزون غذائي قد ينفذ
الفلاحة التي تبقى الى جانب تربية الماشية من الانشطة الاقتصادية للساكنة و التي اجتاحت الثلوج اراضيها الزراعية مما حال دون حرثها .كما ان الاعلاف قد تنفذ لدوابهم وقطعان مواشيهم حيث يتم حاليا الاعتماد على المخزون الغدائي الاحتياطي الدي قد ينفد في اي وقت ممكن .
فالمواطنين بهده المناطق يلجون الاسواق الاسبوعية على دوابهم او مشيا على الاقدام ويتبضعون مواد غدائية ومستلزمات العيش الضرورية ويكتوون باسعارها الغير المحددة واكد لنا العديد من الاشخاص ان هناك العديد من الدواوير لن يلجوا السوق الاسبوعي لعدة اسابيع بسبب انقطاع المسالك الطرقية الموصلة الى دواويرهم .
مجموعة من القرى والمداشر باعالي جبال ازيلال دخلت فيما يشبه مرحلة «البيات الشتوي» منذ أسبوع تقريبا ، بعد أن تهاطلت الثلوج على هذه المناطق وقطعت المسالك المؤدية إليها .فالثلوج التي تساقطت بشكل مكثف منذ أسبوع، قامت بإغلاق مجموعة من الفجاج والممرات الجبلية فارضة حصارا محكما على مجموعة من القبائل المنتشرة باقليم ازيلال ، خاصة وأن سمك الثلوج يتراوح مابين ستين سنتمترا و امتار مختلفة العدد على اختلاف المناطق ، الأمر الذي يعزل المنطقة بكاملها عن المحيط الخارجي، ويتسبب أيضا في نفوق قطعان الماشية ونفاد العلف، حيث يقل العشب و تتجمد المياه.
هكذا يعيش سكان المناطق الجبلية على إيقاع الخوف من تداعيات موجة البرد المنتشرة بهذه المناطق هذه الأيام. هكذا إذن يجد مجموعة من السكان أنفسهم، وأمام ارتفاع ثمن حطب التدفئة ، وتحكم مافيات الحطب في الأسعار التي ارتفعت بشكل قياسي، يتوجهون إلى الغابات المجاورة لحطب الأشجار، الأمر الذي يعرضهم للمواجهة مع حراس الغابة ولمتابعات قضائية . هكذا إذن تفجر موجة البرد بجبال ازيلال مجموعة من الإشكاليات التي ظلت مغيبة لحد الآن في كل البرامج المقررة لهذه الأقاليم؛ فمن انعدام التجهيزات الأساسية، خاصة الطبية منها بمجموعة من المراكز القروية لمواجهة مثل هذه الحالات، إلى التلاعبات بحطب التدفئة، إلى المطالبة بإعادة النظر في تصنيف هذه المناطق.
كل شيء يجب أن يتوقف هنا إلى حين مرور فصل الشتاء، فعلى الرجال برمجة المعاشرة الزوجية وفق برنامج يؤخر الإنجاب إلى مابعد الأشهر الثلاثة (نونبر، دجنبر ويناير) فالويل كل الويل لمن استلذ دفء الفراش في غير المواقيت المعلومة وتسبب في إدراك زوجته الوضع خلال هذه الفترة من السنة، فقد تكون العواقب وخيمة… وهناك حكايات عديدة في هذا الشأن .
موجة البرد القارس تشكل عاملا مؤرقا للأسر الجبلية بازيلال بالقرى، والتي يصل الأمر خلالها إلى حدوث وفيات بين الأطفال وكبار السن لغياب وسائل التدفئة واللباس الشتوي، والافتقار إلى الامكانيات المادية للتداوي، والاكتفاء بالوصفات التقليدية لمعالجة نزلات البرد .
إنها موجة البرد القارس التي تقابَل ببرودة رسمية في معالجة الظاهرة، فإذا كان مناخ هذه المناطق معروفا بكثرة التساقطات الثلجية خلال فصل الشتاء بالنظر للطابع الجبلي لها، فإن الواقع كان يفرض أن يتعامل المسؤولون بكثير من الاهتمام بمشكل البنيات التحتية والتجهيزات الخاصة بالتدفئة، ليس فقط بالمؤسسات العمومية والتعليمية، بل أيضا بالمنازل والإقامات عبر تخفيضات في أسعار استهلاك الطاقة.
هدا قليل من المعاناة التي يتحملها سكان اعالي الجبال باقليم ازيلال الدين يطالبون الجهات المسؤولة على المستوى المحلي والجهوي والوطني للتحرك من اجل فك العزلة المضروبة عنهم وتمكينهم من وسائل العيش الكريمة .