أكدت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري “الهاكا” أن حرية الإبداع مضمونة دستوريا، وذلك على خلفية تلقيها لعدد من الشكايات بشأن أعمال تخييلية تلفزية، مجددة التأكيد على أهمية صون حرية الإبداع.
وأشارت الهيئة في بلاغ لها إلى أنها تتلقى وبشكل متواتر شكايات يتقدم بها أفراد أو جمعيات أو تنظيمات مهنية، للاحتجاج على تضمن بعض الأعمال التخييلية المعروضة على القنوات التلفزية الوطنية لمشاهد وحوارات تعتبرها ماسة بمهن معينة ومسيئة لمنتسبيها، وهي الشكايات التي ترتفع خلال شهر رمضان.
وبعد دراستها لمجموع هذه الشكايات والتداول بشأنها والبت فيها، شددت “الهاكا” على أن الأعمال التخييلية، جزء لا يتجزأ من حرية الاتصال السمعي البصري، كما كرسها القانون، إذ لا يمكن للعمل التخييلي أن يحقق وجوده ويكتسب قيمته دون حرية في كتابة السينايو، وفي تشخيص الوضعيات والمواقف، وفي تحديد الأدوار وتمثل الشخصيات، خصوصا عندما يتعلق الأمر بعمل هزلي أو فكاهي.
وأكدت الهيئة على أن التمثيل النقدي لمهنة معنية في عمل فني سمعي بصري لا يشكل قذفا، كما هو معرف قانونا، ولا قصد إساءة، بل هو مرتبط بحق صاحب العمل في اعتماد اختيارات فنية معينة.
وانتقدت المطالبة بتوظيف الأعمال التخييلية لشخصيات تجسد حصرا الاستقامة والنزاهة في تقمصها لأدوار منتسبة لمهن معنية، معتبرة أنه ليس مسا بحرية الإبداع فحسب، بل أيضا تجاهل لدور ومسؤولية الإعلام، لا سيما العمومي، في ممارسة النقد الاجتماعي ومعالجة بعض السلوكيات والظواهر المستهجنة.
وأشارت الهيئة إلى أن مطالبة بعض هذه الشكايات بإعمال الرقابة القبلية تجاه الأعمال التخييلية أو بالتدخل البعدي لوقف بثها، يحيل على تمثل غير دقيق لمفهوم تقنين المضامين الإعلامية وللانتداب المؤسسي للهيئة.
وأوضحت أن المشرع يضمن للإذاعات والقنوات التلفزية العمومية والخاصة إعداد وبث برامجها بكل حرية، والهيأة العليا مؤتمنة على السهر على احترام هذه الحرية وحمايتها كمبدأ أساسي، مع الحرص على احترام كل المضامين المبثوثة سواء كانت تخييلية أو إخبارية أو غيرهما، للحقوق الإنسانية الأساسية، على غرار عدم المس بالكرامة الإنسانية، واحترام مبدأ قرينة البراءة، وعدم التحريض على سلوكات مضرة بالصحة وبسلامة الأشخاص، وغيرها.
ومن جهة أخرى اعتبرت الهيئة أن جودة المضامين الإذاعية والتلفزية المبثوثة قضية مطروحة فعلا، ويستوجب الاشتغال عليها انخراط جميع مستويات ومكونات ومهن المنظومة الإعلامية، كما أن مواكبة التطور المستمر لتطلعات الجمهور المتلقي، بسائر فئاته السيوسيوثقافية، تظل واجبا ثابتا على الخدمات الإذاعية والتلفزية.
كما أن تقديم شكايات للهيئة العليا بهذا الخصوص حق أقره المشرع للمواطن المرتفق، هذا في الوقت الذي يبقى صون الحرية شرطا أساسيا لإنعاش جودة أي عمل فني وإعلامي.
وخلص البلاغ إلى التنبيه إلى أن الغاية الفضلى للتقنين هي إعلاء قيم الحرية وتحرير طاقات المبادرة والإبداع، ولفت الانتباه إلى كل ما من شأنه كبح تحقيق هذه الغاية، إسهاما في تعزيز ثقافة إعلامية وتواصلية مستنيرة.