بلاغ صحفي
تفعيلا لمقتضيات القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، ولاسيما ما يخص ضمان الحق في ولوج التربية والتعليم والتكوين لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة أو وضعيات خاصة، نظمت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين والمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بجهة بني ملال-خنيفرة ندوة وطنية في موضوع التربية الدامجة ورهان الجودة، تحت شعار “من أجل مدرسة متجددة، ومنصفة، ومواطنة ودامجة”، حضوريا وعن بعد، بمقر هذه الأكاديمية، بتاريخ 26 ماي 2021.
وتهدف هذه الندوة، التي تميزت بمشاركة مختصين من مختلف المشارب والمجالات التربوية، والنفسية، والصحية، والحقوقية والتدبيرية، إلى تسليط الضوء على المرجعيات المؤطرة الخاصة بالتربية الدامجة من حيث الأجرأة والتفعيل، وتقاسم التجارب والممارسات، وتعزيز قدرات الفاعلين التربويين والشركاء، وبلورة مقترحات وتوصيات لتطوير وتجويد الخدمات.
وفي كلمته الافتتاحية، أبرز السيد، مصطفى السليفاني، مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة بني ملال-خنيفرة، أن الاهتمام بالأشخاص في وضعية إعاقة عموما، وبالأطفال المتمدرسين من هذه الفئة على وجه الخصوص، يندرج في إطار استراتيجية شاملة للدولة المغربية، تستند في مرجعياتها الأساسية إلى التوجيهات الملكية السامية، الداعية إلى جعل المنظومة التربوية منظومة دامجة وشاملة ومنصفة، تحقق المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المتعلمات والمتعلمين، بعيدا عن كل أشكال التمييز والإقصاء، من أجل تحقيق الإنصاف والعدالة الاجتماعية.
وأكد أن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي حرصت على أجرأة وتفعيل هذه التوجيهات الملكية السامية من خلال التنصيص على حقوق الأطفال في وضعية إعاقة في التمدرس الدامج المنصف، من خلال الرؤية الاستراتيجية للإصلاح، وكذا من خلال القانون الإطار 17-51 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، ولاسيما المشروع رقم 4 المتعلق بــ ” تمكين الأطفال في وضعية إعاقة أو وضعيات خاصة من التمدرس”، اعتبارا للأدوار الأساسية للمدرسة في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ.
وذكر بالأهمية التي توليها هذه الأكاديمية لتمدرس الأطفال في وضعية إعاقة إسوة بأقرانهم، بدءاً بتوفير مقعد بيداغوجي لهذه الفئة، ومرورا بتشخيص طبي دقيق، ووصولا إلى الإدماج بالفعالية اللازمة، الشيء الذي لا يتأتى إلا بمزيد من الجهود للتكيف مع الخصائص الفردية لجميع المتعلمات والمتعلمين، وتكييف تقنيات التعلم والممارسات البيداغوجية وفق خصوصيات كل إعاقة، انسجاما مع مضامين “الإطار المرجعي للتربية الدامجة ” الذي أعدته الوزارة في هذا السياق، والذي يتضمن دلائل ومصوغات للتكوين والتأطير لفائدة الأطر التربوية والإدارية والأسر والجمعيات الفاعلة في المجال.
من جهته أكد السيد محمد حابا، مدير المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة بني ملال خنيفرة في مداخلته أن المركز الجهوي قد استحضر قضايا الإعاقة والدمج المدرسي في صلب برنامج عمله، اعتبارا لأدواره البحثية والتكوينية، حيث تميزت السنة التكوينية الحالية بإدراج مجزوءة خاصة تعنى بالتربية الدامجة في البرنامج التكويني لكل من مسلك تكوين أطر الإدارة التربوية وكذا مسلك تكوين أطر الدعم الإداري والتربوي والاجتماعي قصد إعداد هاتين الفئتين للمساهمة بشكل إيجابي في تنزيل البرنامج الوطني للتربية الدامجة بعد تخرجهما من المركز ، وتحملهما لمسؤولياتهما الإدارية والتربوية بالمؤسسات التعليمية. كما أن بعض فرق البحث التي تم إحداثها على مستوى المركز لها اهتمام خاص بالموضوع، مذكرا بالتزام المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة بني ملال خنيفرة بحفظ وتوثيق الانتاجات العلمية والتوصيات التي ستتمخض عن الندوة من خلال تخصيص عدد خاص من مجلة المركز لنشر أعمالها.
وإيمانا من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة بني ملال خنيفرة بأهمية الانفتاح على الشركاء، فقد تم على هامش الندوة توقيع اتفاقية شراكة بين المركز واللجنة الجهوية لحقوق الانسان لجهة بني ملال خنيفرة قصد العمل المشترك من أجل النهوض بثقافة المواطنة وحقوق الانسان وتعزيزها وترسيخها في منظومة التربية والتكوين عبر دعم وتقوية قدرات منتسبي المركز الجهوي في مجال التربية على المواطنة وحقوق الإنسان، وتنظيم أنشطة تربوية وإشعاعية في مجال التربية على المواطنة وحقوق الإنسان والمساواة والتسامح، وكذا تبادل المعلومات والخبرات والوثائق والمنشورات ذات العلاقة بالمجال.
وفي هذا الإطار، أثنى السيد أحمد توفيق الزينبي رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الانسان لجهة بني ملال خنيفرة على أهمية هذه الاتفاقية التي تأتي في سياق البناء المؤسساتي لآليات التعاون والتنسيق التي يراهن عليها المجلس مع مختلف المؤسسات التربية والجامعية من أجل التنشئة والتربية على حقوق الإنسان والنهوض بها، وامتدادا لاتفاقية الشراكة الموقعة مركزيا بين وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي والمجلس الوطني لحقوق الانسان. كما اعتبر أن هذه الاتفاقية ستسهم في الانفتاح على فئات المتدربين بالمركز من مدرسين وأطر إدارية وترسيخ ثقافة حقوق الانسان لدى هذه الأطر لضمان تصريفها على مستوى المؤسسات التعليمية بعد التخرج من المركز باعتبار أهمية الأوساط المدرسية والجامعية كأوساط للتنشئة التربوية بامتياز.
وقدم الدكتور فؤاد شفيقي، مدير المناهج بالوزارة، في كلمته التأطيرية، سردا تاريخيا لسيرورة التطور التي شهدتها المدرسة المغربية منذ تجربة أقسام الدمج المدرسي منتصف تسعينات القرن الماضي إلى غاية مرحلة التربية الدامجة أو التعليم الشامل. وذكر بالمجهود الذي بذل من قبل العديد من المختصين التربويين والحقوقيين والصحيين من أجل إعداد الإطار المنهاجي للتربية الدامجة والتي تعد وثيقة تأطيرية لوصف عدد من الإعاقات، وتحديد التعلمات الأساس والتعلمات الداعمة. وقدم خمسة مداخل لتفعيل تلك الوثيقة: تنويع طريقة ولغة عرض الخطاب (الصوت، والصورة، والإشارة، والكتابة…) من قبل الأستاذ(ة)/المؤطر(ة) داخل الفصل والمدرج والمحترف أخذا بعين الاعتبار الفروقات الملاحظة لدى المتعلمين تحقيقا لمبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص، والأخذ بعين الاعتبار طرق التعبير المختلفة، وطرق المشاركة لبناء الشخصية والاندماج الاجتماعي، ومراعاة التنوع الثقافي واستحضار مقاربة النوع.
وتميزت الجلسة العلمية التأطيرية لهذه الندوة بمداخلات ذات أهمية بالغة، تناولت مختلف محاور هذه الندوة من قبل كل من السيدة لمياء محسن عن جامعة القاضي عياض بمراكش، في موضوع “تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة وإشكال الاستمرارية البيداغوجية خلال أوقات الأزمات”، والسيدة رشيدة أكوجيل عن المدرسة العليا للأساتذة بفاس، في موضوع “المقاربة المفاهيمية والتربوية للتربية الدامجة”، والسيد محمد الناصري عن المستشفى الجامعي الرازي بالرباط، في موضوع “التشخيص والتربية المعرفية: مدخل لتجويد الممارسات التربوية الدامجة”، والسيد الصديق أبو لحسن عن جامعة ابن زهر بأكادير، في موضوع “التربية الدامجة كتمكين وإنصاف، مقاربة معيارية للإدماج كشرط للعدالة الاجتماعية والتنمية”.
كما تم التطرق في الجلسة الثانية إلى محور “تنزيل الإطار المرجعي للتربية الدامجة: ممارسات مهنية وتجارب”، حيث قدمت السيدة لالة حفيظة العلوي رئيسة مصلحة التربية الدامجة بالأكاديمية عرضا حول “تجربة الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة بني ملال-خنيفرة في مجال التربية الدامجة”، وقدم السيد محمد الكوادي عرضا هم “التكوين الأساس في التربية الدامجة لأطر الإدارة والدعم بمراكز التكوين: مدخل لتجويد الممارسات الدامجة (نموذج مشروع المؤسسة الدامج)”، وقدم السيد زهير باحمو عرضا حول Élèves en difficulté et stratégies d’inclusion dans le contexte canadien -Cas des écoles de l’Ontario، وقدمت السيدتان فوزية البيض وكوثر برايجي عرضا في شأن Réflexion sur l’hétérogénéité et les défis de l’école inclusive، وقدم السيد بلعابد ادريس عرضا هم “التكوين البيداغوجي بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين ورهان ترسيخ الممارسات التربوية الدامجة”.
وخلال الجلسة الثالثة تم التطرق إلى محور “مقاربات التربية الدامجة”، حيث قدم السيد عبد الفتاح احميداني عرضا حول “الأسس العلمية الدامجة “مقاربة سيكولوجية””، وقدمت السيدة مينة القالي عرضا في شأن Approche comportementale et autisme ABA، وقدم السيد حوسي أزارو عرضا حول “الإعاقة وسؤال التربية المنصفة: من التوصيم والتمييز إلى الصراع من أجل الاعتراف”، وقدم السيد محمد الشنتوف عرضا بخصوص “علاقة تقدير الذات بالتوافق النفسي لدى تلاميذ قاعات الموارد للتأهيل والدعم: دراسة ميدانية”، وقدم السيدان مصطفى بوهيم ولحسن الصديق عرضا بخصوص “التمثلات الاجتماعية حول الإعاقة الذهنية، وانعكاساتها على هوية الأطفال في وضعية إعاقة ذهنية في الوسط المدرسي”.
وتم تقديم خلاصات مختلف جلسات هذه الندوة العلمية، ونوه المشاركون بجودة المداخلات والخلاصات العلمية المقدمة من قبل المشاركات والمشاركين، وبالعمل الجدي الذي يقوم به السيدات والسادة المفتشات والمفتشون، والمديرات والمديرون، والأستاذات والأساتذة، والمربيات والمربون بالمؤسسات التعليمية الدامجة، والشركاء، ومختلف المتدخلين، من أجل تمتيع الأطفال في وضعية إعاقة من حقهم في التعلم وممارسة مختلف أنشطة الحياة المدرسية، وولوج مختلف الفضاءات المتاحة بالمؤسسات التعليمية، إيمانا من الجميع بأن استيفاء هذا الحق هو التزام أخلاقي ومجتمعي وإنساني يسهم في بناء مجتمع متماسك، جدير بكل أطفاله.