البريد الالكتروني : avocat.maro.agh@gmail.com
تطـفـو على السطح ـ كل سنة مع اقتراب عيد الأضحى ـ نفس المظاهر التي أصبحت لصيقة بهذه المناسبة داخل المجتمع المغـربي، والتي حولت هذه المناسبة الدينية من سنة مـؤكـدة لها أحكامها وغاياتها إلى عادة أو تقليد اجتماعي يكرس درجة التخلف والجهل داخل المجتمع.
فمن الناحية الدينية، معلوم أن عيد الأضحى هو سنة مؤكدة للقادر عليها، وليست واجبة، والدليل على أنها سُنَة وليست بواجبة ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عن أم سلمة أن النبي (ص) قال : “إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك من شعره وأظافره” فقوله (ص) : ” أراد أحدكم أن يضحي” هو دليل على أنها غير واجبة، علما أن هناك أحكام وشروط شرعية لصحة هذه السُنة من قبيل شروط الأضحية وشروط الذبح إلى غير ذلك من الأمور التي يضيق المجال لمعالجتها نظرا لأن لرغبتنا في التركيز على الجانب الاجتماعي لهذه المناسبة.
وهكذا، فمن الناحية الاجتماعية فإن عيد الأضحى أصبح ـ مع الأسف ـ مناسبة للتنافس بخصوص حجم الأضحية وثمنها الأمر الذي يستغله “الشناقة” في الأسواق لتحقيق أرباح طائلة بدون مجهود، كما أن عيد الأضحى أصبح ـ مع الأسف أيضا ـ فرصة للتباهي باللباس التقليدي وأثمانه التي تفوق ثمن الأضحية نفسها وهذا أمر عادي نظرا للإقبال المهول على هذه المنتجات التي يعتقد أصحابها وعموم المواطنين أنها من شروط صحة إحياء هذه السُنَة، بل إن هناك ـ مع الأسف مرة أخرى ـ أُسَرًا يتشتت شملها بسبب حجم الأضحية والخوف من نظرات الجيران، كما أن هناك البعض ممن يلجأ إلى الاقتراض من أجل شراء الكـبـش ثم يبدأ بعد ذلك يشتكي من الاقتطاعات الشهرية التي لا تنتهي في الغالب لا بحلول عيد الأضحى من السنة الموالية، غير أن أخطر المظاهر السلبية التي التصقت ـ بغير حق ـ بهذه المناسبة هي أن هناك من المواطنين مَن يُـقـدِمُ على وضع حد لحياته تحت وطأة ضغط ألسنة الجيران والأسرة والمجتمع عند عدم قدرته على اقتناء الأضحية خاصة في الأحياء الشعـبية التي تتميز بالاختلاط الكبير بين الجيران والدمج إلى درجة إلغاء خصوصية الفرد، والحال أن هذه المناسبة ما هي إلا سُنَـة مؤكدة ـ يعني لا خلاف على وجودها ـ و لكنها غير واجبة خاصة على المُعـسِـر، وهو ما يبين مرة أخرى أن الإشكال هو اجتماعي وليس ديني لأن الدين يُـسـر، والاعتدال والوسطية فيه كـفـيـلان بتيسير حياة الناس داخل المجتمع.
ولعل ما يفسر هذه المظاهر السنوية السلبية التي أصبحت ـ بدون حق ـ مرتبطة بهذه المناسبة، هو انـدِحَار القـيـم داخل المجتمع المغربي و تفشي الجهل داخل كافة أطيافه، والشعور بالضغط المجتمعي والخوف من نظرات الجيران والعائلة، و اختزال الدين في المظاهـر فقط، وكل هذا ناتج مباشرة عن المنظومة المتدهورة للتربية و التعليم وتفشي التفاهة في الإعلام المرئي و السمعي من خلال برامج ” الحموضة شــو” و المسلسلات المدبلجة و “سهرات الشطيح و الرديح” المتلفزة والفارغة من كل ذوق فني رفيع، بالإضافة إلى بروز تجار الدين، في مقابل غـيـاب ـ أو على الأقـل نُذرة ـ برامج التوعـيـة والتحـسـيـس وتحسين الأذواق الـفـنـيـة والانفتاح الثـقـافـي.
كل هذا أنتج ما أصبح عليه حال أغلب المجتمع المغربي، إذ نجد المُرتشي و الموظف الشـبـح و التاجر الغشاش المتخصص في النصب على الزبناء، و كذا آكل أموال اليتامى والورثة، والمُغـتـني من الممنوعات إلى غير ذلك من النماذج المشوهة، يتسابقون على الصفوف الأولى في المساجـد و يتنافسون على تحقيق أكبر عدد مرات قضاء العمرة و الحـج، و على اقتناء أكبر المواشي لإحياء السُنَـن والمناسبات و تقديس التقاليد في مـقـابـل تنازلهم عن الفروض الأساسية و الـقِـيَـم الحـقـيـقـة للمجتمعات الراقـيـة، و هذه هي مظاهر طغيان ما يُسمى ب “تَـدَيُـن المظاهـر” الذي يختزل الـتـديـن في ممارسة طـقـوس و تـقـالـيـد معينة، بدل التَـدَيُن الذي ينطوي على تقويم السلوك و التمسك بالقيم والحق و المبادئ التي تجعل من الفرد إنسانا بما تحمله الكلمة من معنى، ويكفي طرح السؤال التالي : ماذا لو تمسك أفراد المجتمع بالقـيـم valeurs والمبادئ prin