إن حدث ذكرى عيد الشباب يكتسي أهمية كبرى، ومحطة أساسية لمعرفة مدى الاهتمام الذي يوليه جلالة الملك محمد السادس للشباب. ثم لا ننسى أن مسألة الشباب شكلت محورا مركزيا في كثير من خطب العاهل المغربي . و نتذكر بهذه المناسبة خطابه جلالته يوم 29 يوليو 2018 بمناسبة الذكرى 19 لتوليه العرش، دعا الأحزاب السياسية للقيام بدورها في تأطير المواطنين والانفتاح على النخب الشابة، حيث أن الأحزاب ينبغي عليها استقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي ، لأن كثيرا من الأحزاب السياسية مازالت تشكل عائقا أمام انخراط فعال للشباب في الحياة السياسية بسبب الجمود الذي تعرفه على المستوى التنظيمي والوظيفي وغياب الديمقراطية الداخلية في كثير منها .
وإذا كان دستور 2011 قد أسس دعائم الديمقراطية التشاركية، فإن ذلك لن يكتب له النجاح إلا بتمكين الشباب من المشاركة في تدبير الشأن العام على المستوى الوطني والمحلي، والانخراط في الآليات التشاركية للحوار والتشاور، حتى يتملكون القدرة على إعداد قرارات ومشاريع تهم قضاياهم لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية.
وقد أحدث الدستور بموجب الفصل 33 منه المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي ، والذي ننتظر منه ترجمة قضايا الشباب إلى برامج وسياسات عمومية حقيقية والعمل على تفعيل استراتيجية مندمجة تساهم فيها كل القطاعات المتداخلة والرفع من الميزانيات الموجهة للشباب وإشراكهم في كل المبادرات.
فالتنمية الشاملة والمستدامة لن تتحقق إلا بالمساهمة الفعالة للشباب في الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي. هؤلاء الذين هم عماد المجتمع وسر النهضةِ فيه .
الملك محمد السادس، قائد ثورة البناء والتنمية، وضع المغرب على سكة القرن الواحد والعشرين، مع ما يتطلب ذلك من عصرنة وتحديث وإطلاق الأوراش التنموية الكبرى والمشاريع المستدامة من أجل النهوض بالعنصر البشري وتوطيد مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وتعزيز مغربية الصحراء. علما بأن الشباب المغربي يشكل عماد هذا العنصر البشري .
فالآن أمامنا نموذج تنموي جديد يعد خارطة الطريق المنشود ورؤية استراتيجية لبلادنا في أفق 2035، يحتاج إلى تنزيل وترجمة إلى إجراءات وأهداف قابلة للتنفيذ، وفق منهجية يمكن من خلالها وضع برامج ومؤشرات الأداء، وتحديد من الجهات المسؤولة عن عملية التنفيذ والمتابعة الفاعلة، وتحديد الجداول الزمنية، ورصد الميزانيات، وتحديد آلية واضحة للمساءلة عن كل هدف من الأهداف .
فالنموذج التنموي الجديد يقتضي مقاربة تشاركية بانخراط كافة الفاعلين من هيئات حكومية وجماعات ترابية وأحزاب سياسية ومجتمع مدني ومؤسسات عمومية ومقاولات خاصة وكل مكونات المجتمع وخاصة الشباب. كما أن الحكومات القادمة معنية أكثر بهذا النموذج، باعتبارها مسؤولة عن تحديد السياسات العامة وتنفيذها حسب ما يقتضيه الدستور، وأيضا من منطلق مسؤوليتها أمام الملك والشعب، ما يستوجب تكييف برامجها مع أهم الخلاصات التي وردت في التقرير، دون إغفال مكون الشباب كعنصر أساسي في التنمية و البناء.
فالسياسات العمومية ينبغي أن تكون مستوحاة من النموذج التنموي الجديد. فلا يمكن تنزيل ما جاء في التقرير بدون سياسات عمومية ومشاريع قانونية ومراسيم تحددها الحكومات القادمة وتعمل على تنفيذها، مع حفز الأوراش الاستراتيجية ودعم إدارة التغيير، من خلال السهر على الانسجام العام والملاءمة الاستراتيجية وحفز ودعم السياسات التي تهم الشباب.
فتقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي فرصة لإعادة النظر في تدبير وترشيد السياسات العمومية وتقييمها، وفق أهداف محددة وفي إطار التتبع والمساءلة، ما يستوجب تعبئة كل إمكانيات البلاد، وبالأساس وضع عنصر الشباب في صلب أولويات السياسات العمومية.
فلنجعل من عيد الشباب نهضة شبابية في ظل النموذج التنموي الجديد.