صحف
في سابقة تعد الأولى من نوعها بالمغرب، أصدر “عبد الرزاق الجباري”، القاضي في المحكمة الابتدائية بالقنيطرة، حكما فريدا في قضية تتعلق بـ “الإدمان على المخدرات”، يقضي بعدم قبول المتابعة في حق “مستهلك”، لعدم إشعاره من طرف النيابة العامة، بحقه في العلاج من الإدمان.
وبالعودة إلى فصول هذه القضية، وفق ما نقلته منصة “المفكرة القانونية”، المختصة في النوازل القضائية، فقد أكدت هذه الأخيرة أن عناصر الشرطة أوقفت في الـ 8 من يونيو الماضي -أوقفت- شخصا وبحوزته قطعة من مخدر “الشيرا”، اقتناها من شخص آخر بهدف استهلاكها، مشيرة إلى أن الشرطة استمعت للمتهمين معا في محضر قانوني، حيث اعترف الأول بإدمانه على استهلاك المخدرات، بينما اعترف المتهم الثاني أنه يتاجر فيها، حيث قررت النيابة العامة متابعتهما، وإحالتهما على المحكمة.
وأثناء المحاكمة -وفق المفكرة القانونية- أثار دفاع المتهم الأول (المستهلك) دفعا شكليا، يرمي إلى التصريح بعدم قبول المتابعة في الشق المتعلق باستهلاك المخدرات، وذلك بالنظر إلى مخالفتها لمقتضيات الفصل 8 من ظهير 21-05-1974، حيث لم يعرض وكيل الملك على المتهم إخضاعه للعلاج.
وقد رد وكيل الملك على هذا الدفع، بأن المتهم متابع بجنحة أخرى غير استهلاك المخدرات، وهي جنحة حيازة المخدرات، وهو ما يلزم النيابة العامة بمتابعته دون أن تعرض عليه إخضاعه للعلاج، الأمر (الدفع الشكلي) الذي استجابت له المحكمة، معتبرة أن “تحريك الدعوى العمومية في حالة المتابعة، من أجل استهلاك، أو استعمال مادة معتبرة مخدرة، يتوقف على ضرورة استفسار السيد وكيل الملك للمتهم، بعد فحص طبي يتم بناء على طلبه، بخصوص ما إذا كان موافقا على الخضوع إلى علاجات القضاء على التسمم، التي تقدم إما في مؤسسة علاجية طبقا للفصل 80 من القانون الجنائي، وإما في مصحة خاصة تقبلها وزارة الصحة العمومية، وذلك بتضمين موقفه بمحضر استنطاقه، سواء كان إيجابيا أو سلبيا”، وذلك إعمالا لمقتضيات الفصل 8 من ظهير 1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات.
وشددت المحكمة أنه بالرجوع إلى محضر استنطاق المتهم من قبل السيد وكيل الملك، والمضموم إلى وثائق الملف، تبين لها، أنه لم يشر إلى كون هذا الأخير قد عرض على المتهم إجراء فحص طبي، أو استفسره عن مدى موافقته على الخضوع للعلاجات المذكورة.
أما بخصوص ما دفعت به النيابة العامة من كون المتهم متابعا بجنحة أخرى، وهي حيازة المخدرات، أجابت المحكمة أن “الحق في الاشعار بالخضوع للعلاج لا يمكن تقييده”، لأن القاعدة تقضي بأن “لا تقييد لمطلق إلا بنص”، وعليه، خلصت إلى أن الدعوى العمومية المثارة في حق المتهم، في شقها المتعلق باستهلاك المخدرات، لم تحترم الشكليات الضرورية لإثارتها، ما تكون معه معيبة شكلا، ويتعين القول بعدم قبولها في حقه.
هذا الحكم -وفق منصة المفكرة القانونية” يعد سابقة في طريقة تعامل القضاء المغربي مع قضايا الإدمان على استهلاك المخدرات، حيث يكرس الحق في العلاج، وهي إشكالية مطروحة في أغلب بلدان المنطقة العربية، موضحة أن هذا الحكم يبرز من جهة أولى، أهمية دور الدفاع في إثارة الدفع بعدم قبول المتابعة المسطرة من طرف النيابة العامة في حق المتهم لعدم احترامها لشكليات المادة 8 من ظهير 21 ماي 1974، حيث يبدو الدفاع وكأنه أعاد تسليط الضوء على نص مهمل من القانون المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة، ووقاية المدمنين على هذه المخدرات.
ولم تلتفتْ المحكمة إلى التفسير، الذي أعطته النيابة العامة، معتبرة أن الحق في العلاج حق مطلق، لا يمكن تقييده، مستعيرة في ذلك الدور الدستوري للقاضي، الذي لا يقتصر على التطبيق الحرفي للقانون، وإنما يسعى إلى تطبيقه بشكل عادل، خصوصا أن القضاء هو حامي الحقوق والحريات، ومن ضمنها الحق في العلاج.
وسجّلت المحكمة وفق ذات المصدر دائما، سابقة في تفعيل مقتضيات الفصل 8 من قانون زجر الإدمان على المخدرات، والذي يكرس “حق مستهلك المخدرات في الخضوع للعلاج”، مقابل عدم تحريك المتابعة القانونية في حقه من طرف النيابة العامة في حال ممارسة هذا الحق، كما كرست في الوقت نفسه تحولا في الوظيفة المتوخاة من النيابة العامة في هذا الخصوص، والتي يجدر بها إعلام الشخص المدمن بحقوقه، وضمنا توجيهه لممارستها مقابل وقف الملاحقة ضدّه كما سبق بيانه.
تبقى الإشارة فقط إلى أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، كان قد اقترح في مذكرته بشأن مراجعة مشروع القانون الجنائي عدم استبعاد جنح حيازة المخدرات، والإتجار فيها، من إمكانية تطبيق العقوبات البديلة، خصوصا بالنسبة إلى الأشخاص، الذين يتاجرون، أحيانا، في مقادير هزيلة من المخدرات لتغطية نفقات إدمانهم، أو لظروفهم الاجتماعية، حيث اقترح المجلس الحكم عليهم بعقوبة بديلة، تتمثل في الخضوع لتدابير علاجية من الإدمان